بعد وصول سعر المتر لـ182 ألف جنيه..
"شيطنة الأسعار" حيلة جديدة لسماسرة الوحدات التجارية في مزادات "الإسكان"
التجار يرفعون أسعار المزادات لحدود خيالية لسرعة بيع وحدات مشروعاتهم الخاصة
مطورون: تغيير طريقة الطرح والتسعير ومضاعفة حجم الوحدات أبرز الحلول
وليد عباس: لا نعتد بالأسعار الجنونية.. ونحتاج لتعديل تشريعي.. البستاني: نظام القرعة أو المظاريف المغلقة هو الحل
مروان فارس: ترفع أسعار الأراضي بشكل غير حقيقي .. عمرو علي: تتكرر بوضوح في مدينتي الشيخ زايد والقاهرة الجديدة
كتب - محمود محمد
أجمع مطورون عقاريون على أن تحايل بعض السماسرة والتجار لرفع أسعار الوحدات التجارية والخدمية بات أمراً ملحوظا خلال العامين الأخيرين، حيث ارتفعت أسعار المحلات التجارية المطروحة من قبل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة في مزادات عامة إلى أرقام فلكية، حيث سجل سعر المتر في أخر مزاد أقيم بمدينة بدر خلال شهر ديسمبر الماضي لأحد المحلات مبلغ 182 ألف جنيه وهو سعر غير موجود في المدن الأكثر أهمية منها، فيما سجل سعر المتر في المدينة الوليدة 6 أكتوبر الجديدة حوالي 140 ألف جنيه، ويصل سعر المتر في مدن أخرى إلى أكثر من 100 ألف جنيه رغم عدم حيوية النشاط المخصص لتلك المحلات أو أستراتيجية موقعها، الأمر الذي أثار دهشة المتابعين للسوق العقارية بل والمسؤولين عن المدن الجديدة بوزارة الإسكان. فيما طالب مطورون خلال حديثهم لـ"إسكان مصر" بضرورة أن تكون هناك آليات لمواجهة تلك الظاهرة والتي يسعى من خلالها السماسرة إلى "شيطنة الأسعار" ورفعها بشكل غير مبرر بما يخدم ويصب في صالح المنافسين من شركات القطاع الخاص والتي ترفع أسعارها هي الأخرى في ضوء الارتفاع "المتعمد" لأسعار المزادات الحكومية.
في البداية أكد مسؤول في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة- طلب عدم الكشف عن هويته- أن السماسرة خاصة من أصحاب المولات التجارية في المدن الجديدة، يتحدون وزارة الإسكان باشتراكهم في مزادات بيع المحلات التجارية بهدف تعليق الأسعار عند مستويات جنونية وغير واقعية بشكل يخدم مباشرة استثماراتهم، حيث يشتركون في المزادات العامة التي تجريها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ويقومون برفع سعر المتر التجاري لمستويات خيالية، وبعد ترسية المزاد عليهم يضحون بتأمين المزاد ولا يستكملون باقي مبلغ الحجز، ويتجهون لرفع أسعار وحداتهم المملوكة لهم ليجد المواطن نفسه فريسة لهم خاصة وأنهم يقارنون بين أسعارهم والأسعار الخيالية لمحلات الوزارة، فتكون الغلبة لهم، فيما تعتد الهيئة بأسعار تلك المزادات عند تسعير أي محلات أخرى في تلك المدينة باعتباره "سعر سوق".
الأزمة التي لمستها هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، كانت وراء بعض الإجراءات الاحترازية التي تم اتخاذها مؤخراً خاصة في ملف المحلات التجارية، وفي ظل ضعف القدرة وصعوبة منع السماسرة من الاشتراك في تلك المزادات. يقول الدكتور وليد عباس معاون وزير الإسكان لشؤون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ومساعد نائب رئيس الهيئة لقطاع التخطيط والمشروعات، إن الهيئة واجهت هذة الظاهرة مبكراً برفع قيمة تأمين دخول المزاد، كما أقرت مبدأ عدم الاعتداد بسعر المزاد في حال لم يستكمل من تمت الترسية عليه مبلغ الوحدة المباعة، مشيراً إلى أن إحكام السيطرة بنسبة 100% مستحيل، كما أن القوانين تحتاج لتعديلات لتساعد هيئة المجتمعات على التعامل الحاسم مع تلك الظواهر.
مسؤول كبير في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، أكد لـ"إسكان مصر" عدم وجود إجراء حقيقي لردع السماسرة في تلك الناحية، مشيراً في الوقت ذاته إلى ضرورة عدم أغفال ثقة المواطن في الطرح الحكومي ما يجعل أيضاً هناك إقبال كبير عليه، لافتاً إلى أن هذا الأمر تمت مناقشته مع وزير الإسكان الدكتور عاصم الجزار بالفعل، خاصة وأن الارتفاع وصل لمستويات غير منطقية، وتم الاعتداد بالأسعار المرتفعة كسعر استرشادي في حالات التنازل عن الوحدات التجارية من شخص لأخر فقط.
وحول نسبة تأمين دخول المزادات، أكد أن جهاز المدينة يحدد قيمة التأمين وفقا للسعر التقديري المقرر بشكل "سري" للمحلات المطروحة للبيع، وأن الأسعار الجنونية لا يعتد بها كـ"سعر سوق" بشكل نهائي، وإنما يتم حساب متوسط سعر للطرح الجديد يجمع ما بين السعر الخرافي والسعر المحدد من قبل لجان التسعير في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ليصبح هذا المتوسط هو "سعر السوق" الحقيقي والقيمة العادلة للمتر المربع حتى لا يكون هناك ظلم للمستثمر الجاد. فعلي سبيل المثال لو كان السعر التقديري للمتر 30 ألف جنيه، وسعر أخر مزاد وصل إلى 100 ألف جنيه يتم جمع القيمتين وطرحهما على 2 ليصبح سعر السوق هو الناتج بعد القسمة وهو 65 ألف جنيه للمتر.
من ناحية أخرى، استبعد مطورون عقاريون استطلعت الجريدة رأيهم، قدرة الحكومة على وقف تلك الممارسات التي تتم من خلال السماسرة، حتى في حال تم وضع قائمة سوداء للتجار الذين يشاركون في رفع أسعار الأراضي بدون أسباب واقعية، حيث سيواجه الأمر بعدم المشروعية القانونية. مؤكدين أن الحل الوحيد لأزمة المزادات وتسعير الوحدات غير السكنية هو طرحها بنظام آخر وليس بنظام المزادات العلنية.
في البداية يقول المهندس محمد البستاني رئيس مجلس إدارة شركة البستاني للتنمية العمرانية، إن المشكلة تكمن في دخول بعض التجار إلى المزادات الخاصة بالوحدات غير السكنية من اجل رفع الأسعار للاستفادة من التسعير بالأسعار الأخيرة حتى لو لم يقوموا باستكمال عملية الحصول على الأرض، مدللاً على ذلك بوصول المتر في احد المدن الجديدة خلال الفترة الأخير إلى نحو 182 ألف جنيه للمتر ولم يتم استكمال المزاد والحصول على الأرض.
وأشار إلى أن بعض أصحاب المشروعات التجارية يقومون بذلك من أجل تسهيل عمليات بيع الوحدات المملوكة لهم وبأسعار جيدة وجني الأرباح بعد تثبيت أسعار الهيئة في مستويات مرتفعة، مشيراً إلى أن الحل الوحيد لوقفها هو طرح الوحدات المذكورة بنظام القرعة العلنية أو المزايدة على أكبر مقدم من اجل إنهاء حالة الارتفاع المستمرة في أسعار الأراضي بسبب طرحها بنظام المزادات.
ولفت إلى أن طرح الوحدات أو الأراضي بنظام المزاد اثبت على مدار الأعوام الماضية فشله بشكل كامل في تطوير حجم المبيعات، بل يساهم في ارتفاع نسب التضخم في السوق العقارية، مشيراً إلى أنه يؤثر بالسلب على أسعار المناطق المختلفة مما يؤدي إلى ركود كبير في السوق.
وعن حالات التحايل في المزادات، قال البستاني إن تخلي التجار عن تأمين المزاد لا يعتبر خسارة لهم، خاصة أن قيمة تأمين المزادات لا تعتبر كبيرة، في حين أن المزاد يساعده على تحقيق أرباح جيدة في المشروعات التجارية المملوكة له. لافتا إلى أن الممارسات المذكورة حدثت منذ سنوات في مركز مارينا العلمين السياحي، مع بداية ظهور مشروعات بورتو مارينا الساحل ومراسي وغيرها وتم الدفع بعدد من السماسرة لرفع أسعار الفيلات بمارينا من اجل تسويق الوحدات المجاورة لها بالمشروعات المختلفة بأسعار مرتفعة وبشكل أسرع.
وأكد البستاني أن الظاهرة المستمرة في السوق تشبه إلى حد كبير ما فعله بعض اليهود في انجلترا منذ سنوات طويلة من خلال تسويق السلع المملوكة لهم في محلين منفصلين بأسعار مختلفة لجذب العملاء لشرائها بدون دراية أنهم محلين تابعين لإدارة واحدة، موضحاً أن بعض الشركات تقوم أيضاً بتنفيذ سياسات مماثلة في مشروعاتها العقارية خاصة في نسب وأسعار تميز الوحدات.
من جانبه، قال المهندس مروان فارس رئيس مجلس إدارة شركة إبداع للتطوير العقاري، إن الظاهرة متواجدة فعلياً في معظم المدن الجديدة ولكن ليس في جميع الحالات، خاصة أن الوحدات المذكورة التي تطرحها الهيئة يتم طرحها داخل مشروعات دار مصر وسكن مصر والإسكان الاجتماعي. مضيفاً بأن رفع أسعار المناطق من خلال المزادات العلنية تعتبر من الظواهر التي لا تختفي بمرور الزمن مشيراً إلى أنها أصبحت احد سمات السوق للوحدات غير السكنية في الفترة الأخيرة ولكن ليس في جميع الحالات.
واعتبر فارس، أن تركيز الهيئة على طرح وحدات تجارية بمشروعاتها التي تنفذها لا يفتح المجال أمام زيادة الظاهرة والتي تؤثر بالسلب على السوق وتساهم في رفع الأسعار.
ويضيف الخبير العقاري الدكتور عمرو علي، بأن رفع أسعار الأراضي المجاورة لمشروعات الهيئة من خلال المزادات تعتبر من الظواهر التي وضحت في مدينتي الشيخ زايد والقاهرة الجديدة على مدار السنوات الماضية، موضحاً أن انتشارها يرجع إلى عدم وجود ضمير لدى بعض التجار والمستثمرين.
وقال إن تدشين قائمة سوداء للتجار الذين يضاربون في المزادات ولا يستكملون إجراءات الحصول على الوحدات بعد ترسيتها عليهم، يعتبر حل غير مجدٍ خاصة أن التحايل عليها سيكون سهل للغاية من خلال دخول احد الاقارب أو الاصدقاء في المزاد بديلاً عنه.
واعتبر أن أي توجه حكومي لعمل قائمة سوداء للمتعاملين بشكل غير صحي لن يجدي، خاصة مع زيادة أعداد التجار المتعاملين في المزادات العلنية، معتبراً أن الحل هو تغيير نظام طرح الوحدات المذكورة وكذلك زيادة عددها من اجل اشباع السوق كما حدث في الأراضي التي تم طرحها بنظام الاستثمار المباشر.
وأضاف أن الحل الوحيد هو زيادة حجم المعروض من الوحدات لتلبية الطلب المتزايد وكذلك للسيطرة على المزادات العلنية التي ادت إلى تضخم هائل في أسعار الوحدات غير السكنية، لافتاً إلى أن طرح الوحدات غير السكنية بنظام المظاريف المغلقة أو التخصيص بأعلى سعر يعتبر أفضل طرق الطرح والتي لن تساهم في رفع أسعار الوحدات بشكل عام.
وتابع قائلاً: "المزادات لطالما كانت السبب وراء ارتفاع أسعار أي منتج يتم طرحه به، معتبراً أن تغيير نظام الطرح سيكون بداية تغيير وجهة نظر الحكومة للوحدات المطروحة وكذلك أسعارها، بالإضافة إلى ضرورة عدم المبالغة في طرح الوحدات بهدف اشباع السوق حتى لا يصاب السوق بالركود بسبب ارتفاع حجم المعروض من الوحدات".
ويرى ولاء الطباخ رئيس مجلس إدارة شركة إيليت للاستثمار والتنمية، أن الممارسات المذكورة أدت إلى اتجاه العملاء إلى المشروعات غير الحكومية واثبتت نجاح مخططاتهم من خلال جذب العملاء إلي مشروعات المستثمرين.
وقال إن ما يحدث يؤدي إلى ربكة كبيرة في السوق، خاصة أن الأسعار الخارجية لدي الشركات الخاصة أقل بكثير عن الأسعار التي يتم الوصول إليها في المزادات الحكومية، موضحاً أن تاثيرها سلبي على السوق وعلى الهيئة لانها في النهاية تطرح بهدف الربح من استثمار حكومي.
واستبعد أن يكون الحل هو تدشين قائمة سوداء للشركات أو التجار التي تدخل وتضارب في المزادات ولا تستكمل الإجراءات بعد تحديد السعر والترسية، مشيراً إلى أن الحل الجيد هو تغيير نظام الطرح وتحويله إلى طرح الوحدات بنظام التخصيص المباشر. لافتا إلى أن تخصيص الأراضي بنظام الاستثمار المباشر اثبت نجاحه خلال الفترة الأخيرة، ومنع عمليات السمسرة التي كانت تحدث في الأراضي وهو ما يثبت اهمية تغيير نظم الطرح في الوحدات التجارية المذكورة. معتبراً أن تغيير نظم الطرح لن يؤثر بالسلب على دخل الهيئة من الوحدات التجارية خاصة أن طرحها بنظام المزايدات أو بالأمر المباشر سيتم وفقاً لسعرها السوقي ولكنه سيؤدي إلى ثبات الأسعار عند معدلاتها الطبيعية خاصة في المشروعات المجاورة للوحدات المذكورة.