محمود الجندي
أسئلة مشروعة حول زيارة " مدينتي "
عزيزي القارئ .. ما تحمله السطور القادمة هي مجرد تساؤلات منطقية ليست من قبيل الاتهامات أو ما شابه .. لكنها محاولة لفهم ما يحدث حتى وإن كان ما حدث قد حدث بـ"حسن نية " لكن وجب التنويه إلى أن هذا يخصم من الثقة في المسؤول الرسمي ويضيف لرجل الأعمال ضمانة ودعم رسمي كبير، خاصة بعد أزمة الإعلان الأخير للمشروع والذي أثار حالة غضب شعبي واضحة.
فقبل يومين تابعت وتابع الجميع الزيارة المفاجئة التي قام بها الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان وعدد من قيادات الوزارة لمشروع " مدينتي " المملوك لشركة طلعت مصطفي القابضة ، حيث كان في استقبالهم الرئيس التنفيذي للمجموعة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى.. وعلى الرغم من أن عنوان الزيارة كما صاغته الوزارة بأنها كانت لتفقد الحصة المملوكة لوزارة الإسكان من وحدات المشروع، إلا أن تلك الصياغة لم تقنع أحداً، فقد جاءت صياغتها على استحياء لعدة أسباب منطقية نسردها تباعاً.. وفي الوقت نفسه دارت آلة التسويق الجبارة في مجموعة طلعت مصطفي لحصد أكبر مكاسب ممكنة من تلك الزيارة التي يروج لها على أنها "زيارة عامة " ونراها "خاصة" بل وتندرج تحت بند الدعاية غير المباشرة للمشروع .
الأسئلة المنطقية هنا يمكن أن تبدأ بسؤال هام .. هل الزيارة فعلاً كانت لتفقد الوحدات المخصصة للوزارة في المشروع ؟ الإجابة لا وبكل وضوح فالزيارة وفقاً للصور المنشورة والفيديوهات المتداولة لم يكن فيها ولا من بينها ما يشير إلى إقتراب وزير الإسكان ومرافقوه من محيط العمارات المخصصة للوزارة، وهنا يتضح أن الزيارة لم تكن كما أعلن عنها، كما أن حصة الوزارة موجودة منذ سنوات طويلة وبيع جزء كبير منها أيضاً فما الداعي لزيارتها الآن!؟.
السؤال الثاني.. هل كان هناك ما يستدعى الزيارة المفاجئة ؟ أو أنها جاءت ضمن جولة شملت المدن المجاورة لمشروع مدينتي والتابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ومنها الشروق وبدر والقاهرة الجديدة أو حتى العاصمة الإدارية الجديدة؟ أو أنها جاءت لتسلم حصة الوزارة ؟ الحقيقة أن الزيارة كانت وفقط لمشروع مدينتي، والبيان الرسمي يتحدث في مجملة عن مشروع مدينتي وتوسعاته وخدماته، بل أنه لم يتطرق حتى إلى عدد وحدات حصة الوزارة ولا جودتها ولا حالتها الحقيقة التى يرثى ليها .
السؤال الثالث .. هل نتج عن الزيارة مشاهد أو صور تروج لمشروع " مدينتي " ولو بدون قصد ؟ حدث ذلك بالفعل مع افتراض " حسن النية " ، فالزيارة والجولة داخل ملاعب الجولف ومناطق الفيلات ودار الضيافة وغيرها هي دعاية غير مباشرة للمشروع وتصب في صالح مجموعة طلعت مصطفي، وزيارة مثلها في أي مكان أخر كانت كفيلة بأن تقيم الدنيا ولا تقعدها، فالمتابعون يرون أن الزيارة هدفها ترميم صورة المشروع الذي تعرض لهجوم كاسح خلال شهر رمضان الماضي.
السؤال الرابع .. هل استفاد رجل الأعمال بتلك الزيارة ؟ بالتأكيد فعدد كبير من المصورين كانوا في انتظار تلك اللحظة، وجرى الترتيب لاستغلال الحدث بأكبر صورة ممكنة وهو ما شاهدناه في الفيديوهات التي أذاعتها عدة قنوات تلفزيونية وتم الترويج لها على مواقع التواصل الاجتماعي في نفس يوم الزيارة، وغابت في طيات التغطية أي حديث عن حصة الوزارة وتفقدها من قبل السادة المسؤولين.
السؤال الخامس.. هل تثير زيارات كتلك أزمة؟ بالتأكيد فعدم المساواة بين المطورين العقاريين ورجال الأعمال عين الظلم .. فلماذا يختص الوزير مشروع بعينة بتلك الزيارات فيما توجد مشروعات مماثلة ومطورين كبار في حاجة لزيارات شبيهة بتلك الزيارة .. مالم تكن هناك أسباب أخرى ترجح كفة هذا على هؤلاء.
السؤال السادس .. هل ما حدث هو دعاية لكيان أو مشروع أو إضفاء ثقة وضمانة حكومية لشخص ما ؟ بالتأكيد فواحدة من أهم أنواع الترويج والدعاية المعاصرة تعرف باسم " الاعتماد على السلطة " بذكر أشخاص أو مؤسسات بارزة ذات مصداقية عالية لتأييد فكرة أو رأي أو قرار أو منح دعم ضمني لمشروع أو شخص ما .
كذلك الاستفادة من الشخصيات اللامعة خاصة المسؤولين الكبار، وهو أسلوب شائع وشديد الخطورة أيضاً، ولا يقصد به هنا الاقتصار على جذب مشاهير الفن والرياضة ولكن المسؤولين الرسميين ، وهو ما يكون له تبعات وتأثير كبير على الجمهور المتلقى لتلك المشاهد، وحدثت في مصر أزمات مشابهة بسبب زيارات مماثلة أبرزها في قضية توظيف الأموال وكان بطلها أحمد الريان حيث كان يستغل زيارات المسؤولين ونجوم المجتمع والدعاة وظهورهم معه في جذب المزيد من العملاء والأموال .. وهو تشبيه مع الفارق بالطبع بين الحالتين.
وفي الحقيقة أن الدولة هي من صنعت أكبر مطور عقاري بمنحه أراضي بملاليم فيما كانت تساوي ملايين ، ولا أدل على ذلك من أرض مشروع مدينتي والتي جرت تسويتها بعد أن تحولت لقضية رأي عام قبل أكثر من 10 سنوات ، وحصلت الدولة على جزء من حقها المهدر في تلك الصفقة قدر وقتها بـ9 مليارات جنيه .. ولو أن منح الأراضي تكرر بذات الامتيازات والمميزات لمطورين أخرين لأصبحوا ضمن الصف الأول من المطورين الواجب زيارة مشروعاتهم أيضاً.