أحمد عبد الحافظ
الوزارة على دين وزيرها
واحدة من أكبر العوائق التى وقفت فى وجه ملف التنمية العمرانية والإسكان على مدار عقود، عدم وجود سياسات عامة واضحة، واستراتيجية تحكم عمل هذه الحقيبة الوزارية الهامة.
وبدلًا من وجود رؤية دائمة واحدة تنظم عمل الدولة فى هذا الملف، كانت وزارة الإسكان تدين بدين وزيرها، وعلى أهمية الملف الذى تفاقمت أزماته على مدار عقود، لم تعرف وزارة الإسكان فكرة الرؤية الاستراتيجية قبل 2005، مع وضع المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية، والذى خرجت صورته النهائية فى 2014.
وساهم فى إعداد المخطط عشرات من العلماء فى كل المجالات، وأحد هؤلاء العلماء الأفذاذ الذين شاركوا فيه هو الدكتور عاصم الجزار وزير الإسكان الحالى، إذ تدرج فى مناصب عدة إلى أن وصل لمنصب رئيس هيئة التخطيط العمرانى.
وقد تفاءل كثير من المتابعين والمهتمين بالملف بوجود أحد المفكرين المشاركين فى وضع المخطط القومى فى منصب تنفيذى، ما يعنى أنه سيضع خلاصة عقول مصر وثمرة شراكتها مع المنظمات الدولية المعنية بالتنمية نصب عينيه حين يتخذ القرار، لكن للمفارقة فإن بصمات المخطط الاستراتيجى القومى للتنمية العمرانية لم تظهر قط فى سياسات الوزارة حتى الآن، ولم تشهد أيا من محاوره وخططه التى وضعها تقدما ملحوظا على الأرض!
ومن بين هذه المفارقات أن الدكتور عاصم حتى هذه اللحظة، لم يعلن ما إذا كان مع أو ضد سياسة التوسع فى طرح الأراضى والوحدات السكنية متوسطة والفاخرة لضمان تحقيق أكبر دخل ممكن من حصيلة البيع، متخذًا بذلك خط مغاير لما فعله المهندس أحمد مغربى والدكتور مصطفى مدبولى فى بداية توليهم هذه وزارة الإسكان.
وإذا كان الدكتور عاصم ضد هذه الساسية، فهل يعنى ذلك أنه سيتوسع فى منح الأراضى المرفقة للقطاع الخاص والأفراد بمنطق تمكينهم من بناء سكنهم بأنفسهم دون تدخل حكومى مباشر، أم سيتوسع فى نموذج مشاركة الحكومة مع القطاع الخاص من خلال طرح الأراضى المرفقة ذات القيمة المرتفعة؟، وهل التوسع فى هذا النموذج يصلح لتوفير سكن ملائم للفئات الأقل دخلا والمتوسطة؟
هل الدكتور عاصم يدعم عودة دور هيئة تعاونيات البناء والإسكان وعودة دور جمعيات الإسكان التعاونى؟ ما هى السياسات التى يستهدفها الدكتور عاصم من الأساس؟، فعلى أرض الواقع إدارة ملف الإسكان داخل المدن الجديدة بعيدًا تمامًا عنه داخل المحافظات القديمة، وكلاهما يختلف عن المدن الأحدث التى لازالت تحت التأسيس.
فلماذا لم يصدر الدكتور عاصم وثيقة سياسات الإسكان حتى الآن، رغم الانتهاء من عناصرها ودباجتها منذ فترة طويلة؟!، لماذا لا تصدر عن وزارة الإسكان أى بيانات أو تعليقات على التقلبات التى تحدث فى السوق العقارات توضح للجمهور كيف تؤثر على كل طبقة؟!، ففى هذا الصمت تجاهل للشريحة الكبيرة من المواطنين التى تستثمر أموالها فى العقارات بكل أنواعها.
لماذا لا تقود وزارة الإسكان المشهد العقارى بالكامل وتقدم الحلول والمقترحات، وهى تعتبر أكبر بيت خبرة فى المنطقة العربية بالكامل، إذ تمتلك هيئة المجتمعات العمرانية التى هى أحد أكبر المطورين العقاريين على مستوى العالم؟! وتمتلك ذراعًا آخر هو صندوق الإسكان الاجتماعى صاحب ثانى أكبر مشروع للإسكان الاقتصادى على مستوى العالم، وأكبر صندوق إسكان على مستوى المنطقة العربية وإفريقيا.
وهذا يعنى أننا أمام خيار من اثنين إما أن الدكتور عاصم وزملاءه لم يضعوا العقبات التنفيذية نصب أعينهم خلال عملية كتابة المخطط، أو أن الدكتور عاصم المفكر يختلف إلى حد التناقض مع الدكتور عاصم الوزير، وقد عدنا بسبب هذا الخلاف إلى نقطة الصفر حيث الوزارة على دين وزيرها.
نقلاً عن مبتدأ