شبح العشوائيات يطارد مدينة القاهرة الجديدة
نادية: مياه الشرب مخلوطة بالرمال .. وسكان الكمبوندات: ندفع ثمن توصيل الغاز الطبيعي مرتين
العشوائيات تشكل ملامح مشروعات إسكان الشباب.. وانتشار القمامة يهدر جهود التنمية
إسكان مصر – كتب مصطفي سليم:
بات الحصول على وحدة سكنية بالمدن الجديدة حلما يراود خيال المواطنين فى ليلهم ونهارهم، هربًـا من عشوائيات وسط المدينة وزحامها، ورغبة فى حياة أفضل لأسرهم وأبنائهم.
ويبذل المواطنون كل جهودهم فى الادخار من "لحم الحى" كى يحققوا هذا الحلم، وهو ما أدركته وزارة الإسكان فى الأعوام الأخيرة واستثمرت هذا جيدا عبر المشروعات المتعددة والمتنوعة لتناسب طموح كل فئات المجتمع ورواتبهم.
مؤخرا أيضا كشفت مياه الأمطار عن عدد من الأزمات فى المشروعات السكنية بالتجمعات، في مقدمتها غياب شبكة صرف الأمطار وضعف قدرة محطات الصرف الصحي، وسوء التخطيط، وهى المشروعات التى لم يتجاوز إنشاؤها العشرين عاما على أبعد تقدير.
ومن واقع مسئوليتها، وحرصا من "إسكان مصر" على المتابعة الدقيقة والدؤوبة على رصد جديد الشأن العقارى وتسليط الضوء سلبا وإيجابا على مشروعات الوزارة، نفتح الملفات الشائكة بشفافية ونطرح الأوراق والوقائع أمام الجميع، بهدف زيادة الثقة بين المواطنين ووزارة الإسكان، وتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان؛ لنتجاوز الأزمات قبل تضخمها وخروجها عن حد المعقول، وتمسى الثروة العقارية فى مهب الريح إذا فقدت الهدف الرئيسي التى أنشئت من أجله، ونصبح أمام عشوائيات جديدة تضاف للقديمة لنظل نحرث فى البحر دون جدوى، بينما المواطن يستقطع من قوته لتجميع مقدمات إعلانات الوزارة، والالتزام بسداد أقساطها، من أجل هذا حرصنا على فتح ملفات البنية التحتية وما تتضمنه من شكاوى تخص شبكة الطرق والمرافق، بالإضافة إلى خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والغاز الطبيعي في المدينة الأبرز "القاهرة الجديدة"..
المية رمل صافى
(تقدر تقول بينزلنا من الحنفية رمل معاه ميه، من غير مبالغة الميه رمل صافى)...
على هذا النحو تحدثت السيدة نادية لـ"إسكان مصر" عن مشكلتها مع محطة تنقية المياه فى التجمع الخامس ونسبة الرمل التى تأتى من مياه الحنفية، وهو ما يجبرها وغيرها على شراء مياه معدنية للشرب.
تتذكر السيدة أن شركة "سيبتر" للفلاتر، وهى شركة عالمية سويسرية، ومن أفضل الشركات التى حققت نتائج فى أكثر من منطقة فى مصر، ومع هذا لم تأت بنتائج جيدة فى التجمع، ما أثار حفيظة الشركة فقرر المسئولون بها دراسة الأمر، وفقا لما أكدته السيدة.
تتابع نادية: "حينما درسوا المشكلة، وجدوا أن المياه التى تصل التجمع بحاجة لفلترين لا فلتر واحد، الأول يقلل نسب الرمال لتدخل بعد ذلك على مرحلة فلتر الشركة، غير هذا لن تجدى فلاترها شيئا، وهو ما يعطى تصورا عن طبيعة المياه التى تصل المنطقة".
وكان مسؤول سابق في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، أكد أن انقطاع المياه وتلوثها سيظل على حاله فى المستقبل، بسبب عيوب المواسير المستخدمة في هذا الخط وهي من نوعية grp وهي دائمة الانفجار لعدم تحملها ضغط المياه ما يؤدي لاختلاط الرمال بمياه الشرب.
وأضاف لـ"إسكان مصر"، أن هذه المواسير ثبت فشلها لكن رغبة بعض قيادات الهيئة السابقين في التعامل مع الشركات المصنعة لتلك المواسير وراء الكارثة التي نشهدها، لافتا إلى أن احتياجات مدينة القاهرة الجديدة من المياه ارتفعت، ما يضطر الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي خلال فترة توليها إدارة وتشغيل مرفق المياه والصرف إلى ضخ كميات أكبر في الخطوط وهو ما يتسبب في نحر الخطوط وتعرضها للانفجار.
وأشار المسؤول السابق، إلي أن هناك معادلة لا تتغير فيما يخص ضخ المياه وهي الكمية المنصرفة من المياه مضروبة في مساحة الخط مضروبة في سرعة الضخ، فكلما تم ضخ مياه بكميات أكبر وفي مواسير قطرها ثابت تزيد سرعة الضغط والتدفق فيتسبب ذلك في نحر المواسير وتنتهي بانفجارها.
وأكد المسؤول، أن الشركة القابضة لمياه الشرب لم تكن تقوم بإجراء الصيانة أو التدعيم اللازم لتلك الخطوط، وتقوم بصرف متحصلات فواتير الاستهلاك على الرواتب والمكافآت.
من جانبه كشف مصدر في وزارة الإسكان، طلب عدم نشر اسمه، الأزمة الحقيقية, وأرجعها إلى نهاية عام 2005، عندما تعاقد الوزير الأسبق محمد إبراهيم سليمان، على تنفيذ خط مياه ومحطة تنقية للقاهرة الجديدة، تبدأ من المعادي وتنتهى بمدينة القاهرة الجديدة، حيث تم تنفيذ الخط من مواسير غير مطابقة للمواصفات.
يتابع المصدر: أن التقارير أثبتت أن تلك المواسير لا تتحمل الضغوط العالية أثناء الضخ، وتوقف المشروع حتى قدوم المهندس أحمد المغربي لوزارة الإسكان، والذي حاول تشغيل الخط بالعيوب التي ظهرت فيه، وجاء من بعده طارق وفيق واستكمل العمل في المحطة بعيوبها، ليأتي المهندس إبراهيم محلب والذي طلب تشغيل المحطة ولكن اكتشف أن المواسير معرضه للانفجار، فتوقف العمل مرة أخرى.
ويضيف المصدر، أن خط المواسير يمر من الفسطاط حتى التجمع الخامس مرورا بسجن طرة والمعادي الجديدة والقطامية والتجمع الثالث، وإنه بطول هذا الخط أقيمت عمارات ومشروعات سكنية متعددة، ما جعل تشغيل المحطة على حالتها يشكل خطرا كبيرا على حياة المواطنين، حال انفجرت تلك الخطوط، مؤكدا أن ما يجري حاليا ما هو إلا محاولة لتشغيل المحطة بضغوط أقل للطلمبات منعا لانفجار الخطوط الناقلة وبما يتناسب مع كفاءة المواسير.
ويري المصدر، أن الحل الأفضل هو تغيير هذه الخطوط، ولكن هذا الأمر مكلف وسيستغرق عدة سنوات، وأكد على أن تصريحات المسئولين الإيجابية بهذا الشأن لا تتجاوز الاستهلاك الإعلامي، وإنه مؤخراً فقط بدأ تشغيل الخط بعد إصلاح العيوب الفنية الموجودة به.
الفوضى تضرب شبكة الطرق
تقول السيدة ريم إنها تعانى أثناء تنقلها بسيارتها من التجمع الخامس حيث بيت الزوجية إلى منطقة مصر الجديدة حيث مدارس أبنائها وبيت العائلة، عن طبيعة هذه المعاناة أخبرتنا السيدة أنها تسكن بالتجمع منذ 2009، فى البدء كانت شوارع التجمع الرئيسية واسعة لا تكسير فيها ولا حُـفر بها، كانت عبارة عن 5 حارات، مع الوقت تم استقطاع حارتين منه بالإضافة إلى رفع منطقة التشجير وتضييق جزيرة الطريق لإنشاء دوران للسيارات، وبهذا أصبح الطريق 3 حارات من أصل 5، وهو ما أسهم فى زحمة مرورية لا تطاق وهو ما لم يكن معهودا على المنطقة، بالإضافة إلى اختفاء المنطقة الخضراء، وأشارت إلى أن أشهر الشوارع التى تحولت على هذا النحو السيئ شارع التسعين الشمالى والجنوبى، وأصبح من المعتاد أن تسير فى 5 حارات ويضيق الطريق بعدها لـ3، وبهذا تأثر تخطيط التجمع بالكامل.
يتطرق الدكتور مصطفى الدمرداش، رئيس المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء سابقًا، من زاوية متخصصة، إذ شدد على التأكد من مدى صلاحية المناطق الصحراوية للبناء والتعمير طبقًا لعوامل الجو والتربة والتعرية، وأشار إلى أن البناء في مصر لا يتم وفق المعايير العالمية التي تسبقها العديد من الدراسات المتخصصة في نوع التربة واستطلاع المناخ، مع الاطلاع على التاريخ البيئي والمناخي للمنطقة المقرر إقامة المدينة فيها.
ويضيف الدمرداش أن التجمعات السكنية الجديدة برغم تكلفة بنائها العالية والتكلفة الباهظة التي يتكبدها المواطنون للسكن بها؛ لم يتم عمل دراسة مسبقة لبنائها بشكل جيد وتجهيزها وفق متطلبات البيئة.
يوضح رئيس المركز القومي لبحوث الإسكان أن توفير نفقات تلك الدراسات وعدم تطبيقها على أرض الواقع هو الذي يتسبب في حدوث العديد من الكوارث مثل تشققات الأسقف، وغرق الشوارع بعد هطول الأمطار.
اختتم الدمرداش حديثه بأن كارثة الطرق فى المدن الجديدة لم تنته بعد، ولن تنتهي إلا بوجود حلول جذرية تقضي بتطبيق تلك الدراسات العلمية على إنشاء المدن مُستقبلًا، وبدء إعادة النظر إلى أوضاع المُدن الجديدة بشكل علمي يوفر مصدات للرياح ومصارف للأمطار وتجهيزها وفق كُل المتغيرات التي قد تتسبب في إهدار الحياة أو الحيلولة دون مواجهة الأزمات دون حدوث أضرار.
مؤخرا رصدت "إسكان مصر" ظهور كشك أمام مسجد فاطمة الشربتلى بالتجمع الخامس، رغم أن هناك سوقا على مقربة منه، ومن المفترض أن وجود مثل هذه الأكشاك غير قانوني إلا في حالات نادرة، وهو ما أثار استياء سكان التجمع وحالة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعى!!
الغاز.. مقايسة واحدة لا تكفى
أما عن خدمة الغاز فيذكر إبراهيم، أحد سكان كومباوند صن سيت، البالغ عدد وحداتها نحو 500 شقة، أن السكان فى 2016 دفعوا 150 ألف جنيه "تأمين حفر" بناء على طلب جهاز مدينة القاهرة الجديدة، وبعدما تم الانتهاء من الحفر لم يستردوا قيمة التأمين من الجهاز.
يتابع إبراهيم بغضب: مقايسة الغاز لم تكن عادلة، إذ دفع هو وجيرانه ثمن خدمة الغاز مرتين بمقايستين، بعدما طلبت الشركة من كل ساكن 5 آلاف جنيه قيمة توصيل المواسير الرئيسية لمدخل الكومباوند، بالإضافة إلى 5 آلاف أخرى مقابل توصيل الغاز للشقة.
يتساءل الشاب الأربعينى: ماذا تكلفت شركة الغاز إذن مادامت أخذت مقابل توصيل المواسير من الشوارع الرئيسية؟، وما دورها، وأين تذهب الضرائب التى يدفعونها مقابل هذه الخدمات كى تدخل لهم الشركة الخدمة ويحاسبوا هم بدورهم كسكان على ما هو ملزم للشركة بالضرورة؟
الصرف الصحى.. الأمطار تكشف المستور
لعل أزمة السيول التى جرت فى المنطقة ليست ببعيدة، إذ كشفت الأمطار الغزيرة على منطقة التجمع الخامس عن سوء التخطيط بعدما امتلأت الشوارع والأدوار الأرضية بالمياه، وعجزت بالوعات الصرف الصحى عن تصريف المياه.
الدكتور أسامة عقيل، أستاذ الطرق والمرور والمطارات بكلية الهندسة جامعة عين شمس، كشف أن السبب الرئيسي وراء غرق المدينة، يرجع إلى عدم إصلاح شبكات الصرف هناك، لافتا إلى أن شبكات الصرف الموجودة هناك "مسدودة"، نظرا لأن التجمع الخامس منطقة رمال ولا يتم صيانة البالوعات بصفة مستمرة.
مقالب القمامة
تتردد كثير من الشكاوى على مواقع التواصل الاجتماعى بشأن القمامة التى تتكدس فى المدن الجديدة بالشوارع والطرق مرفقة بالصور، وجاء التجمع الثالث على رأس المناطق التي يعاني سكانها، إذ تشغل مقالب القمامة مساحات كيلو مترات داخل المنطقة، التي تطل برائحتها الكريهة على السكان، وهو ما يدفع الأهالي إلى حرق عدة أطنان منها، وبالتالي تتصاعد سحب الدخان الملوث، ما يؤثر سلبا على صحة السكان.
وقبل عامين كان سكان مدينة الشروق قد نظموا مسيرات من ميادين المدينة المختلفة حتى مقر جهاز المدينة، حاملين كميات من أكياس القمامة لوضعها أمام مقر الجهاز، احتجاجا على تدني مستوى النظافة في المدينة، ودفاع الجهاز وقيادات في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، المستميت عن شركة الفتح للمقاولات العامة والنظافة، لاستمرارها فى العمل بالمخالفة للقانون، حيث ثبت تزويرها الأوراق الخاصة بمناقصة النظافة، وتم حبس قياداتها.
أكوام القمامة التي انتشرت بالتزامن مع الانقطاع المتكرر لمياه الشرب، وتأخر تحصيل الفواتير بسبب عجز جهاز المدينة عن طبعها بعد نقل مرفق المياه والصرف لأجهزة المدن، فضلا عن انتشار مخالفات البناء، والاشغالات العشوائية، دفع السكان لاتخاذ موقف ينهي العبث الذي تشهده واحدة من أفضل المدن الجديدة في مصر.
تخوفات مشروعة
في منطقة التجمع الخامس تحول إسكان الشباب إلى بؤرة للعشش الخشبية والمحال غير المرخصة، التى أدت إلى وقوع مشاجرات بين السكان، خاصة بعد انتشار عربات الفول، وسط تجاهل الأجهزة المسئولة، وفقا لما ورد على لسان بعض سكان المنطقة.
أرقام وإحصاءات
وكانت المفوّضية المصرية للحقوق والحرّيات أعلنت عن دراسة «العشوائيات.. مشكلات ملموسة وحلول منسية»، نهاية مايو ٢٠١٧، وتوصلت الدراسة إلى أن عدد المناطق العشوائية بمصر، فى عام ٢٠١٦، بلغ ٢٢٤١ منطقة، بزيادة قدرها ١٠٢٠ منطقة عن سنة ٢٠٠٦.
وأوضحت الدراسة أن مصر تضم ٢٤ منطقة مهدّدة لحياة الإنسان «خطورة من الدرجة الأولى» وتضم هذه المناطق ما يقرب من ٢٣ ألف وحدة سكنية، وتقع على مساحة تتجاوز ٥٧٥ فدانًا، لافتة إلى أن عدد المناطق غير الآمنة «خطورة من الدرجة الثانية» يصل إلى ٢٤٧ منطقة، بها أكثر من ١١٤ ألف وحدة سكنية، وتقع على مساحة تتجاوز ٢١٦٣ فدانًا.
وأشارت إلى هناك ٦٠ منطقة غير آمنة (خطورة من الدرجة الثالثة) فيها ما يزيد على ٤٨ ألف وحدة سكنية، وتقع على مساحة تتجاوز ١١٢٧ فدانًا، كما توجد ١٦ منطقة تقع خطورتها فى الفئة الرابعة، بها أكثر من ٢٥ ألف وحدة سكنية، وتتجاوز مساحتها ٦٢٤ فدانًا.
وكشفت عن أن إجمالى نسبة مساحة المناطق العشوائية تساوى ٣٨.٦٠٪ من إجمالى مساحة الكتلة العمرانية، وأن عدد المدن المحتوية على مناطق عشوائية ٢٢٦ مدينة من أصل ٢٣٤ مدينة، أى أنه لا يوجد سوى ٨ مدن خالية من العشوائيات.
ونوهت إلى أن إجمالى مساحة المناطق العشوائية غير المخططة يصل إلى ١٥٦ ألف فدان، بينما إجمالى المناطق العشوائية غير الآمنة ٤٥٠٠ فدان.