" القرنفــــــل".. جريمة فى الحى الراقى
العرب يفرضون إتاوات شهرية على الملاك.. وجهاز المدينة "خارج الخدمة"
مافيا الأراضي تنشر الشائعات لضرب الأسعار .. والمرافق العامة لا تصل إلا لمشروعات الوزارة
البلطجية يفرضون تسعيرتهم الخاصة: 1000 جنيه لسيارة الرمل.. و500 لفنطاس المياه
إسكان مصر – تحقيق مصطفى سليـم
فتحت "إسكان مصر" في العدد الماضي الملف الأسود لحى القرنفل، منطقة الفيلات، بالتجمع الخامس، وأشرنا إلى "الفساد المدفون تحت تلال الرمال"، رصدنا أيضا في الحلقة الأولى معاناة الملاك من عدم توصيل الكهرباء والمياه والصرف الصحي للمنطقة منذ 8 سنوات، علما بانتهائهم من أعمال التشييد والبناء على قطع الأراضي منذ تخصيصها لهم في عام 2010، وكيف أن العبث سيد المشهد ويهدد ثروة عقارية قد تسهم في دفع الاستثمار العقاري إلى الأمام، وتفتح فرصا أوسع نحو مستقبل أكثر رحابة، واليوم نستأنف فتح الملف الأسود ومآسيه في عيون الملاك، ربما نجد من يلقى السمع كي لا تضيع أموال المـُلاك هدرا، أو يَسقطون في قبضة مافيا العقارات التي لا ترحم، لعل هناك من يمد يد العون إليهم كي لا يذهب شقى العمر أدراج الرياح، أو تبتلعه سنوات الضياع.
من هنا نبدأ
ترجع قصة حي القرنفل، "منطقة الفيلات"، بالتجمع الخامس إلى عام 1994، حيث بدأ وقتها تخصيص قطع الأراضي للمواطنين، وبلغ سعر المتر آنذاك 450 جنيها يضاف إليها نسب تميز ترواحت بين 8%، و10%، و20%، وقتها كان التخصيص بالأمر المباشر من وزير الإسكان الأسبق إبراهيم سليمان هو النظام السائد، لتظل المنطقة وفي عام 2018 بلا خدمات.
آنذاك كانت منطقة القاهرة الجديدة صحراء جرداء، واستهدف التخصيص مد الحيز العمراني وتوسيع رقعة القاهرة السكنية، وفى إطار هذه الاستراتيجية دفعت قيادات الوزارة تجاه تعمير الصحراء المحيطة بالقاهرة والمدن إجمالا، وبالفعل جرى تخصيص المنطقة على أنها منطقة فيلات وتم تسليم القطع للملاك فى عام 2010، على أن ينتهوا من البناء خلال 5 سنوات، وسحب التخصيص من المخالفين لشروط التعاقد، علما بأنه من المفترض أن هذه القطع كاملة المرافق من قبل الوزارة، أي أنها تتمتع بمرفق الكهرباء والماء وشبكة الطرق، وفقا للبند الثامن فى العقد الابتدائى للوحدات والذى ينص على: "قام الطرف الأول "البائع" بتوصيل المرافق الرئيسية من مياه وصرف صحى وطرق، أما بالنسبة للكهرباء فقام بتوصيلها إلى أقرب محول للمنطقة التى تقع فيها الأرض، ويلتزم الطرف الثانى "المشترى" بمعرفته وعلى نفقته بعمل التوصيلة الداخلية".
لكن على أرض الواقع كان شيئا مغايرا تماما، لم تكن الخدمات قد وصلت بعد، بل مجرد هياكل، فعلى سبيل المثال كانت غرف الكهرباء قائمة، لكن دون محولات أو كابلات بداخلها، ولاتزال.
أن تدفع مرتين
ما لفت أنظار الملاك آنذاك أأن القطع المخصصة لهم كانت محفورة، أحسن الملاك الظن فى تعاون وزارة الإسكان، واستلموا القطع المحفورة واكتشفوا بعد ذلك أن رمل المنطقة صالح للبناء، وأنه بحاجة إليه، فاضطروا إلى شراء الرمل المستخرج من أراضيهم بالأساس مرة ثانية، وبلغ سعر سيارة الرمل الـ8 أمتار 100 جنيه فى عام 2010 (اليوم بلغ ألف جنيه)، وفقا للملاك، بالإضافة إلى أن خدمات المياه لم تكن موجودة، فاضطروا إلى شراء مياه لزوم الإنشاءات وبلغ سعر تنك المياه 150 جنيها فى 2010 (اليوم سعرها 500 جنيه)، ومع هذا تحمل الملاك هذه المشقة وقرروا أن يلتزموا بشروط التعاقد وشرعوا فى البناء وسط كل هذه المعوقات.
الإتاوة تحكم
أثناء الإنشاءات ظهر بالمنطقة من يدعون أنهم "عرب"، وفرضوا على الملاك الذين شرعوا في البناء إتاوة شهرية وصلت لـ1300 جنيه فى 2010، (اليوم تتراوح بين 1500 وألفين جنيه)، نظير حماية مواد البناء التى كلفتهم مئات الآلاف من حديد وأسمنت.. إلخ، كى لا تتم سرقة هذه المواد فيضطر الملاك لشرائها مرة أخرى، وعليه ارتضوا بالأمر الواقع ودفعوا، (كان سعر طن الحديد 5 آلاف جنيه فى 2010)، ما جعل الملاك يتساءلون: لماذا لم يخطط لنقطة شرطة بالجوار يمكن الرجوع إليها فى مثل هذه الأحياء الجديدة والاستثمارية ففي المقام الأول الأولوية لسيادةً دولة القانون؟
الروتين القاتل
يحكى بعض الملاك عن التعسفات الإدارية من طلب رخص لسيارات النقل واللوادر والرقم القومى للسائقين ورخصهم أيضا، ومطالبتهم بتوريد الردم، مرت الشهور وأنجز الملاك 70% من الوحدات، وبقى بعض من خالف ليعطل مسيرة تنمية المنطقة".
لم أر مياهــــا
السؤال الذى طرحته "إسكان مصر" على بعض الملاك، لماذا لم تتقدموا للحصول على عدادات المياه بدلا من شراء المياه من الشركات عبر السيارات التى تحمل خزانات مياه ويطلقون عليها "التناكر".
هنا فتحنا الباب أمام المزيد من المعلومات التى أفادت بأن الوزارة قامت بتركيب عداد يسمى بـ"العداد الإنشائى"، وفعليا لم تكن هناك مياه.
يقول أحد الملاك: "أنه لم ير بالمنطقة أى مياه كى يبنى بها"، وفعليا المياه وصلت المنطقة فى شهر فبراير 2018، وللأسف هى دائمة الانقطاع تقريبا.
يحكى ثانٍ: "أنه كان يحفر بئر مياه، واشترى ماكينة رفع بهدف توفير المياه حينما تأتى، والحقيقة أنها لم تأت، فكان يضطر إلى ملء البئر المحفورة والخزانات بشراء المياه".
روى ثالث أن سيارة المياه تبلغ سعتها متر مكعب، وتباع الآن بـ500 جنيه، وتملأ الخزانات الثلاثة الموجود بفيلته، وأشار إلى أن موقف هذه السيارات يبعد 200 أو 300 متر عن مقر النائب العام بمنطقة التجمع الخامس!!.
وأشار رابع إلى أن العرب المسيطرين على المنطقة يكسرون خط المياه الرئيسي ويركبون محبس "غراب"، يعبئون بها خزانات السيارات ويبيعونها للملاك، وبهذا فإن الملاك سيحاسبون مرتين أيضا، مرة للعرب، وثانية للاستهلاك الذى ستحاسبهم عليه شركة المياه.
يشكو أحد الملاك من بعض التقديرات الجزافية وغرامات التأخير وغرامات الإنشاءات المبالغ فيها التى تبلغ أحيانا 50 و70 و100 ألف جنيه، وبحسب المالك فإن المياه لا تأتى ولم يصادف ولو مرة أن فتح الصنبور وأتى له بالمياه، ربما يكمن الأمر فى كسر العرب لماسورة المياه الرئيسية.
الكهرباء لم تصل بعد
أزمة عدم وجود الكهرباء لا تختلف كثيرا عن المياه وإن اختلفت التفاصيل، وقد تقدم الملاك بأكثر من استغاثة لوزير الإسكان والمسئولين كان آخرها إعلان فى الأهرام فى مايو 2018، فماذا عن طبيعة غياب الكهرباء عن ثروة عقارية كهذه؟
تعود أزمة الكهرباء إلى مخالفة جهاز مدينة القاهرة الجديدة لبنود التعاقد، إذ تسلم الملاك غرف الكهرباء مجرد مبنى خالٍ من المحولات أو الكابلات، كما أن أعمدة الإنارة الموجودة بشوارع الحى بدون لمبات.
فى 2014 بدأ التقديم للكهرباء، قدم بعضهم، (اليوم توقف التقديم بعد رحلة غريبة يرويها أحد الملاك الذى أخبرنا أن جهاز القاهرة الجديدة حدد مبلغ 200 جنيه رسوم معاينة، على أن يسقط هذا الرسم بعد شهرين، طوال الشهرين يحدث مماطلة من الموظفين تحت بند "فوت علينا بكرا"، يظل الوضع على هذا النحو إلى أن يسقط قيمة الرسم، فيعيد المُلاك الكَرة، وأشار إلى أنه تقدم على هذا النحو 6 مرات، ولم يحدث أن دخل الأمر مرحلة الجدية.
بينما علمت "إسكان مصر"، من مصادر أن جهاز القاهرة الجديدة قرر إسناد أعمال استكمال شبكات الكهرباء إلى شركة جنوب الجيزة بدلا من شركة "إيلجيكت" الحكومية التي لم تقدم إنجازا يذكر، لكن يظل القرار فى انتظار تأشيرة مجلس الوزراء منذ ما يقرب من شهر تقريبا حتى الآن، ولا أحد يعلم متى تأتى التأشيرة؟.
خديعة تجديد المدة
لا يعلم أحد من الملاك لماذا تكلف هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة نفسها مبالغ طائلة هى تكاليف إعلان فى جريدة رسمية يسمح بفترة سماح للمخالفين، وتعلن عن تمديد مدد لهم تتراوح من 6 شهور إلى عام فى حين أن 70% أو يزيد من الملاك انتهوا من الإنشاءات بالفعل، وفقا للملاك أنفسهم، ولحساب من يتم هذا، بينما من مصلحة الجهاز أن يسحب هذه الأراضى وفقا لبنود التعاقد، ويوصل الخدمات لمن التزم، ويطرح الأراضى من جديد بسعر اليوم؟
يروى أحد الملاك أن مواطنى القرنفل يتشككون فى نفوذ هؤلاء فى تعطيل خدمات الكهرباء ورصف الطرق بالحي، ليظلوا يستمتعون بقرارات التيسيرات كمكافأة على مخالفتهم!، ويستفيدوا بالحفاظ على قطع الأراضى، بدعوى أن الحى لم يكتمل بعد، وعليه هو ليس بحاجة لتفعيل الخدمات فيعطلون بهذا مصير 5 آلاف أسرة بينما يستأجر الملتزمون والذين دفعوا من قوت يومهم ومستقبلهم وحدات سكنية للإقامة فيها، فى وقت تكافئ وزارة الإسكان المخالفين.
مافيـــــا الأراضى
روى آخرون أن تجار الأراضى وبعض الشركات الخاصة يخترقون الجروبات الخاصة بملاك القرنفل على وسائل التواصل الاجتماعي لترويج شائعات ومخاوف كي يقع الملاك ضحايا ويبيعون أراضيهم بأبخس الأثمان، يخبرني أحدهم (هل تتخيل أن سعر المتر فى القرنفل، أفضل منطقة بالتجمع وفقا للمتخصصين يتراوح من 6 آلاف إلى 8500 جنيه فقط؟!! نظرا لأن الخدمات لم تصل بعد؟)، يتابع: بعض الشركات الخاصة يردوون أن هناك ضرائب خرافية فى طريقها إلى الملاك ما اضطر البعض لعرض منشآته للبيع، بينما هم يعرفون كيف يدخلون الكهرباء ليصل سعر المتر إلى 15 و17 و20 ألف جنيه، بمجرد تخلى الملاك عن أراضيهم، هل تتصور معى هذا الجشع الذى يستحل ممتلكات الغير ممن بذلوا أعمارهم لإنشائها وبعدما ترتفع الإنشاءات، يظهر من يُضيق عليهم ليضطرهم للفرارا منها، وبعد هذا يسرق منشآتهم بثمن بخس، ويربح ما بين ضعفين أو ثلاثة دون وجه حق.
الموظفون يستغلون الفوضى
على حدود حى القرنفل بعض المشروعات التى تم الانتهاء منها وتوصيل الخدمات لها خلال عامين، من بين هذه المشروعات "دار مصر القرنفل"، إذن الخطوط على مقربة من الملاك فماذا يحدث إذن؟، بينما لا يملك أصحاب القرنفل سوى الاستغاثات المتكررة التى لا يسمع لها أحد، ويتعامل معها بعض الموظفين باستهانة، ويفرضون أحيانا غرامات جزافية ليتم تسويتها بعد أخذ إكرامية من الملاك.
مطالب الملاك
حدد ملاك القرنفل عدة مطالب لـ"إسكان مصر"، جاءت على قائمة أولوياتهم إدخال الكهرباء بالحى، بالإضافة إلى إزالة أكوام المخلفات الملقاة في الشوارع، الانتهاء من شبكة المياه لجميع المناطق، وتطهير وتشغيل خطوط الصرف الصحى، وتمهيد الشوارع وجعل المنطقة صالحة للسكن، وأخيرا توصيل باقى الخدمات من تليفونات وصولا إلى الغاز".