محمود الجندي
أراضي القرعة.. وعزوف المواطنين
إسكان مصر – محمود الجندي
رغم التحذيرات المتكررة من العواقب السلبية للطرح المتكرر والمتتابع لأراضي القرعة إلا أن أحداً لم يلتفت لتلك التحذيرات التي جاءت على لسان خبراء ومطورين عقاريين، فهناك أسباب تؤدي إلى نتائج، وما حدث نتائج متوقعه لمسلك كان الهدف منه هو توفير السيولة لخزينة الدولة فقط، ولم يكن هدفه التنمية، خاصة ان الكثير من الأراضي التي تم طرحها لم تصلها المرافق وهي عقبة أساسية تواجه كافة محاولات التنمية والتطوير في المدن الجديدة، ناهيك عن أن بعض الأراضي المطروحة لم تنال حظاً من التخطيط وبالتالي فالأمر كارثة.
في مطلع شهر إبريل الماضي حذرت أيضاً من عشوائية الطرح وبكميات كبيرة من قطع الأراضي، ونشرت مقالا عبر الموقع الإليكتروني للجريدة تحت عنوان "المجنون واللي أجن منه" وأشرت خلاله إلى تحول مسألة طرح الأراضي بنظام القرعة إلى ما يشبه السيرك، طروحات بهلوانية عجيبة تتبعها طروحات أخرى أعجب منها، والزبون ينتظر مزيداً من الطرح ومعه السماسرة يبحثون عن كل ما هو جديد لـ”تلبيس” أخرين في أراضي لا يعلم موعد توصيل المرافق لها إلا الله، أما الراسخون في مجال المرافق فيؤكدون استحالة ترفيق هذا الكم الضخم من الأراضي قبل سنوات طوال، خاصة مع ارتفاع تكلفة التنفيذ" هذا ما قلناه سابقاً ولم ينتبه إليه أحد، لنواجه الآن واقعاً يقول بوضوح أن الإقبال على أراضي القرعة يتراجع يوماً بعد يوم والناس لم يعد لديها القدرة على مجاراة وزارة الإسكان في لعبتها الخطرة.
في المقال ذاته، أكدت أن التسليم الحكمي أو “التسليم على الورق” بات هو الأبرز في كل القرعات الأخيرة وسيكون كذلك في القرعات المقرر طرحها، فلا تخطيط للأراضي تم ولا ترفيق حدث والمحصلة ستكون فقط جمع مقدمات حجز وإيقاف سداد أقساط ثم الدخول في دوامة الدعاوى القضائية مع وزارة الإسكان لعدم التزامها بتسليم الأرض مرفقة في الموعد المحدد في كراسة الشروط.
حقيقة وقتها لم ألقي باللوم على وزارة الإسكان فيما تطرح فقد قررت بمحض إرادتها مخالفة اللائحة العقارية بطرح أراضي غير مرفقة للحجز، وأعتبرتها اختارت مسلك المجنون في هذا الصدد، لكن الغريب إنه كان هناك من هو أجن من الوزارة وهو الزبون الذي قرر حجز قطعة أرض لن يستطيع الانتفاع بها قبل عدة سنوات – إن استطاع – وهذا عليه أن يتحمل كامل الذنب ولا يشكو مصيره فهو لم يعتبر بما حدث في مشروع ابني بيتك أو التوسعات الشمالية في 6 أكتوبر، واللتين تحولتا إلى تهمة يلقيها كل مسؤول على من سبقوه ويغسل يديه من ذنبها.
.. لكن هذا التراجع الملحوظ في حجم الإقبال على قرعات الأراضي دفعني لمحاولة تحليل ما حدث بدقة للوقوف على أسبابه، حيث استطلعت أراء العديد من المسؤولين عن هذا الملف في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، فضلا عن أراء خبراء ومطورين عقاريين لتحديد أسباب الكارثة.. وجميعها حمل الوزارة نتائج سياستها الخاطئة في طرح كميات كبيرة من الأراضي غير المرفقة والتي لا تنمي مدينة بقدر ما تعطلها.
مسؤول في هيئة المجتمعات طلبت منه تفسيراً لتراجع إقبال المواطنين على حجز أراضي القرعة، وأكد بكل صراحة سوء اختيار التوقيت في القرعة الأخيرة على سبيل المثال والتي جاءت في نهاية الصيف وموسم الدراسة وجميعها مشاغل يومية للمواطنين لا تمنحهم الفرصة الكافية للبحث عن فرصة عقارية مناسبة.
المسؤول، أكد أن واحده من أبرز المشكلات التي وقعت فيها الهيئة كانت منافسة نفسها بطروحات في العاصمة الإدارية الجديدة وأخرى في العلمين الجديدة وثالثة في المنصورة الجديدة بخلاف باقي المدن التي تشهد مشروعات للإسكان المتوسط وتحت المتوسط، ما أحدث تشويشاً لأفكار المواطنين بالتزامن مع الغلاء الذي تشهده مصر، فضلا عن ارتفاع تكلفة مواد البناء والتي تخلى بسببها الكثير عن فكرة الحصول على قطعة أرض والبناء عليها.
خبير عقاري، قدم لي تفسيراً للسؤال مفاده أن المواطن أصبح يحسب خطواته في المجال العقاري بدقة، فهناك ضرائب فرضت على العقارات وبالتالي الاستثمار في العقارات يحتاج للمزيد من التفكير والدراسة.
وأشار إلى أن أغلب الأراضي تطرح بدون مرافق وهذه مشكلة كبرى، فمن يريد أن يقيم منزلاً للأسرة لن يجد ضالته في أراضي القرعة فهي أراضي غير جاهزة للبناء، فضلا عن منافسة الحكومة لنفسها، وارتفاع مدخلات البناء بشكل عام بدءاً من الطوب والاسمنت وحديد التسليح وصولا للدهانات ومواد التشطيب وهي تكلفة خرافية لا يستطيع عليها متوسطي الدخل.
اذاً.. الخطأ الذي ارتكبته وزارة الإسكان باتباعها سياسات طرح عشوائي تسبب في نتائج سلبية بعزوف المواطنين عن الاشتراك في قرعات الأراضي، وهو أمر يجب أن يكون محل دراسة وفقاً لما أكده مسؤول في أحد أجهزة المدن عندما ضرب مثالا لطرح أراضي القرعة في مدن الصعيد، حيث اتجهت الوزارة لطرح عدة آلاف من القطع فلم تجد إقبالا عليها، في حين يتكالب المواطنون وفي نفس المدينة للفوز بأي قطعة عندما تطرح الوزارة عدد لا يتجاوز الـ 300 قطعة!
بشكل شخصي ما أرجوه هو التريث في الطرح ودراسة سلوك المشترين فهو يختلف من وقت لأخر ومن مدينة لأخرى وهو أمر أعلم أن وزارة الإسكان لم تضعه في حسبانها يوماً من الأيام.. لكن الحال تغير وعلينا فهم عقلية الزبون كي نقدم له المنتج الذي يريده وكي تنجح طروحات الأراضي وتؤتي ثمارها بتنمية المدن الجديدة.