محمود الجندي
ثقوب في رداء قانون التصالح
قبول الطلبات وتحديد قيمة التصالح يخضع للأهواء .. و"كورونا" أبرز شماعات الموظفين
التطبيق في أجهزة المدن الجديدة حدث ولا حرج .. وتقنين نفس المخالفة يتضاعف 60 مرة من مدينة لأخرى
بقلم – محمود الجندي
عقب دخول قانون التصالح في بعض مخالفات البناءرقم 17 لسنة 2019 حيز التنفيذ، وهناك حالة من الغضب بين المواطنين بسبب سوء التطبيق في بعض الأحيان، أو غياب آلية واضحة تحدد القرار اللازم في كل حالة، وسط فزع من تنفيذ يومي يراه المواطن بعينه لقرارات الإزالة، ما أثار حالة من الذعر بين الراغبين في تقنين أوضاعهم.
وفي السياق نفسه، لم يكن القانون خالياً من العيوب، بل جاء متضمناً الكثير من الثقوب التي كشفها التطبيق العملي لمواده، وتحتاج وبشكل عاجل إلى إعادة تصحيح للموقف حرصاً على تحقيق الهدف من وراء فتح باب التصالح.
فمنذ بدء التطبيق ونقاشاتي مع المتخصصين لا تنتهي، فقد تلقيت العديد من الاستفسارات التي لم يكن لدي إجابة واضحة عليها، ونقلتها لعدد من المهندسين الاستشاريين وهم خط الدفاع الأول المسؤول عن فحص مخالفات الراغبين في التصالح، وعلى رأسهم صديقي المهندس الاستشاري عمرو علي .
حيث طلبت منه شرح أسباب حالة الذعر التي يعيشها المواطن، وحصر المعوقات التي تواجه عمليات التصالح وتحول دون إتمامها أو على الأقل تعرقل جهود القيادة السياسية في القضاء على ظاهرة البناء المخالف.
وتفاجئت بما سرده لي من معوقات وثغرات تضمنها القانون ويجب معالجتها فوراً للاستفادة القصوى من إقبال المخالفين الكبير على تصحيح أوضاعهم.
حيث كشفت المناقشة، أن أغلب المعوقات تكمن في آلية تنفيذ القانون، وبعضها في طريقة فهم الموظف المختص لمواده، والبعض الأخر إستسهال بعض موظفي الأحياء في التعامل مع هذا الملف الشائك والتعلل بأزمة كورونا للتهرب من استلام طلبات المواطنين.
"الأحياء لا تستجيب للطلبات الفردية" هذة كانت أبرز المشكلات، فهناك أحياء مثل عين شمس والمطرية وغيرها ترفض قبول الطلب الفردي من أحد سكان العقار المخالف، وتطالب بحضور جميع الملاك لتقديم طلبات تصالح وهو ما يتسبب في ذهاب رغبة من يرغب في التصالح، في حين يقوم حي مثل مصر الجديدة أو مدينة نصر، بقبول الطلبات الفردية للتصالح، والتعامل لاحقاً مع الممتنعين، فالقانون واحد والتطبيق وفقاً لهوى الموظف المسؤول.
المحليات لم تكن هي المسرح الوحيد لفوضى تطبيق القانون، ففي أجهزة المدن الجديدة حدث ولا حرج، فأسعار التقنين في مدن مثل الشروق وبدر وزايد لمخالفة بعينها تتضاعف لأكثر من 60 مرة في حال كان التقنين لنفس المخالفة في مدينة القاهرة الجديدة.
ومثال توضيحي على ذلك، على سبيل المثال في حالة تقنين مخالفات الدوبلكس، فلو كانت المخالفة هي إنشاء سلم في الدور الأرضي بتقنن باعتبارها مخالفة واحدة ضمن البدروم في مدينة الشروق وعن مسطح السلم فقط، في حين نفس السلم في نفس الدوبلكس بيتم حسابه كمخالفتي تغيير معماري وانشائي في المبنى إذا كان في الروف وليس البدروم.
كما يتم ضرب مساحة السلم وهي 12 متر مسطح في النسبة القانونية وهي 15% فتصبح قيمة التقنين 2000 جنيه فقط في الشروق، في حين نفس المخالفة في مدينة القاهرة الجديدة يتم حسابها باعتبارها تغيير انشائي ومعماري في كامل مسطح الدور وبالتالي يصل تقنين مخالفة إنشاء السلم إلى 60 ألف جنيه بعد ضرب مسطح السلم في كامل مسطح الدور ؟! وهو ما يكشف التخبط والعشوائية في تنفيذ قانون التصالح.
كذلك في مخالفات غرف الأسطح بالمدن الجديدة، فلو أن مسطح المخالفة 50% من مساحة الروف، يتم تحميل المواطن رسوم تصالح عن كامل مسطح الروف رغم أن مخالفته لم تتجاوز نسبة 50% من مساحة الروف بالكامل وهو ظلم بين للمواطن ومبالغة ليس لها مبرر قانوني.
كذلك يتم تحميل المواطن قيمة تقنين عن غرف السطح المسموح بها قانونا في حدود 25% من مساحة الروف، حيث يتم محاسبته عليها ضمن محاسبته على المخالفة التي ارتكبها بالزيادة عن النسبة المسموح بها وهي 25% ليتحمل المواطن دفع قيمة تصالح عن مساحة هي بالفعل قانونية .
أضف على ذلك، يرفض جهاز مدينة القاهرة الجديدة قبول طلبات من أصحاب الوحدات التي تغير استخدامها من سكني إلى تجاري "محلات" أو إداري، وفي الوقت نفسه يقوم جهاز مدينة بدر التابع لذات الجهة بقبول طلبات المواطنين عن نفس المخالفة ؟! ما يكشف عن فوضى غير مسبوقة في فهم وتطبيق قانون التصالح.
أيضاً من أبرز المشكلات، هي ترك الحرية للمحافظين بتخفيض قيمة التقنين، ففي حين يصل سعر تقنين المتر في المدن الجديدة لحوالي 2000 جنيه، يبلغ سعر تقنين المتر في عين شمس 200 جنيه، وفي منطقة عشوائية مثيلة لها مثل ترعة المحمودية في الاسكندرية يقنن المتر بـ1000 جنيه، وهي مبالغة تدفع بالمخالف للعزوف عن تقنين أوضاعه، بل وتطيح بمبدأ العدالة حيث أن صلاحيات المحافظ في تخفيض قيمة رسوم التصالح يجب أن توازيها صلاحيات للتخفيض في المدن الجديدة أيضاً.
الخلاصة، أن تطبيق القانون من حيث الإجراءات والرسوم من قبل لجان الفحص والتصالح متغير وليس له ضوابط محددة وهو أزمة كبرى، تحتاج وبشكل سريع إلى وضع معيار محدد وواضح للتعامل مع المخالفات وتقدير رسومها للوصول إلى الهدف من وراء إصدار قانون التصالح في بعض مخالفات البناء.