أحمد عبد الحافظ
عن قانون التصالح.. من الأخضر إلى الرمادى
قبل أن نناقش اللحظة الحالية التى تعيشها آلاف العقارات المخالفة فى انتظار حسم مصيرها يجب أولا أن نفهم الخلفية القانونية والاقتصادية التى انطلق منها القانون، وأن نضع فى الخلفية صورة التحول الذى أصاب خريطة مصر من الأخضر إلى الرمادى، فى أعوام قليلة.
وأعلنت الدولة فتح باب التصالح على العقارات المخالفة لمدة عام تقريبا، وهى المهلة النهائية التى سيسمح فيها بتقنين أوضاع مخالفات البناء السابقة التى انفجرت خلال فترة الانفلات الأمنى التى أعقبت أحداث يناير 2011، بعد ذلك ستعود الأمور إلى نصابها الطبيعى الذى لا يسمح بالتصالح على ما تم بناءه من مخالفات البناء بشكل نهائى.
واحتاجت الدولة إلى إصدار قانون مؤقت ينظم الثغرة التى تسبب فيها إصدار قانون البناء الموحد خالى من أى مواد تخص التعامل مع البناء المخالف بعد 2008، بعكس الوضع قبل إصدار قانون البناء الموحد أى قبل 2008، والذى كان يسمح بدفع غرامات والتصالح على مخالفات البناء لاحقا، وهذا يعنى أن مخالفات تمت بعد عام 2008 يجب إزالتها بصرامة ودون باب للتصالح أو تقنين وضعها.
إلا أن التطورات السياسية والأمنية التى حدثت منذ نهاية 2010 وحتى مطلع 2015، هيأت الظروف إلى حالة من البناء العشوائى بدون مخططات ودون إشراف حكومى يضمن التزام المقاول بالاشتراطات البنائية التى تضمن سلامة البناء إنشائيا وتراعى متطلبات الحماية المدنية.
مع إقبال ملايين المصريين على شراء الوحدات السكنية المخالفة، بشكل جعل الوضع أكثر تعقيدا، فأنفقوا مبالغ تقدر بتريليونات الجنيهات عليها، سواء بالبناء المباشر، أو بشراء وحدات سكنية وتجارية من المقاولين الذين استغلوا الانفلات الأمنى وتباروا فى شراء العقارات القديمة بهدف إقامة أبراج سكنية شاهقة.
أضف على ذلك لجوء ملايين المصريين إلى العقار باعتباره استثمار آمن فى ظل الهزات الاقتصادية العنيفة التى مر بها الاقتصاد المصرى، ومع هذه العشوائية اختلط الطلب على السكن بالاستثمار، وتحولت مئات الآلاف من الأفدنة إلى عقارات مخالفة مبنية بشكل عشوائى بدون مخططات للطرق والخدمات، وبدون شبكات مرافق مناسبة.
هذه المعضلة وضعت الحكومة أمام اختيارين كلاهما أمرّ من الآخر، الأول هو تنفيذ القانون دون تفرقة، وهو ما يعنى إهدار ثروة عقارية هائلة وتريليونات الجنيهات التى كان يمكن توجيهها إلى أوجه استثمار أخرى تدعم الاقتصاد المصرى، أو فتح باب تقنين الأوضاع أمام العقارات التى لا تخل باشتراطات إنشائية وقانونية معينة، وهذا هو الطريق الذى سلكته الدولة.
سيسمح القانون المؤقت بالتصالح على بعض مخالفات البناء وليس جميعها، فعلى سبيل المثال لا تصالح فى التعدى على خطوط التنظيم، والعقارات التى تتعدى على الخطوط التى تنظم عرض الشارع لا مجال لاستمرار هذا الاعوجاج أو التسامح معه، وسيصدر لها قرار بالهدم، كذلك لا تصالح فى البناء على أملاك الدولة إذ تقوم هذه المخالفة على ارتكاب ثلاث جرائم أولها إهدار المال العام والاستيلاء عليه وأخيرا بناء مخالف، كذلك التعدى على الأراضي الزراعية بالبناء.
يسمح القانون كذلك بالتصالح على المخالفات التى سبق وتم إجراء تصالح مؤقت عليها، قبل إصداره بحيث يكون التصالح الجديد نهائى وبات، ولكن المخالفات التى لم يسبق التصالح عليها ودفع غرامات التصالح عنها لن يتم التصالح بشأنها.
يتجاهل البعض هذا الشرح المطول، والوضع القانونى المعقد للغاية للأبنية المخالفة، بهدف الشحن العام ضد قانون التصالح، لكن الحقيقة أن القانون يهدف إلى إدماج ملايين الوحدات فى وضع قانونى يسهل التعامل عليها، ويقطع الطريق على أى مخالفات مقبلة وشبكات الفساد التى استنزفت الناس والدولة معا.
نقلا عن موقع مبتدأ