محمود الجندي
فخ «الداون تاون».. وشباب المطورين
بعض الفرص لا تتكرر .. وبعضها يتكرر كثيراً.. لكن علينا أن نسأل أنفسنا هل هذه فرصة بالفعل؟ أم فخاً سيسقط فيه قليلي الخبرة ومن مالت قلوبهم وصدقت ما يثار عن تحقيق بعض الشركات اعجازاً كبيرا في المبيعات بمجرد حصولهم على قطعة أرض؟
الحقيقة، أنا مع إطلاق العنان لأحلامنا وأحلام شباب المطورين العقاريين في التوسع بأعمالهم والدخول لأسواق جديدة.. لكن عندما ترتبط الأحلام بـ«البيزنس» وبمستقبل الناس، يجب أن تكون الأمور مدروسة بشكل جيد ومحسوبه بدقة.. فهنا لا مجال للمغامرة أو المقامرة بأموال العملاء فالعاصمة ليست القاهرة الجديدة، بل لها قواعد صارمة بعكس الحال في المدن التي يؤخذ من قراراتها ويرد عليها.
حتى الآن، لا أجد مبرراً أو تفسيراً للهجمة الكبيرة وتكالب بعض الشركات منها الصغير قليل الخبرة، ومنها الضعيف مالياً أو فنياً على منطقة الدوان تاون في العاصمة الإدارية الجديدة!! هل كان هؤلاء ينتظرون طرح قطع صغيرة بمقدمات وأقساط بسيطة؟ أم أنهم ساروا في الهوجة وأحبوا ركوب الموجة؟
أعلم أن العاصمة مشروع مغري جداً ونجح في فترة وجيزة في الاستحواذ على حصة الأسد من مبيعات السوق العقارية وصلت نسبتها إلى 50% من مبيعات العقارات على مستوى الدولة بالكامل.. لكن الأمور بالنسبة للشركات قبل الاستثمار في أي مكان لا يجب أن تقاس بالشواهد العامة، بل يحتاج الأمر من الشركات الراغبة في الاستثمار هناك للمزيد من المراجعات لقدراتها الفنية والمالية حتى يمكنها اتخاذ قراراً هاماً كهذا.
فجأة.. جميع الشركات وجهت أنظارها إلى هناك.. بل أن بعضهم قام بتصفية أعماله في المدن الجديدة للتفرغ لمشروعه هناك .. هذا جميل .. لكن كيف ستبيع وماذا ستقدم للعملاء؟.. هل حسبت حسابك للمنافسة الشرسة هناك وسط عشرات الشركات التي حصلت على مشروعات مثيلة؟ بل أن بعض الشركات يقودها أشخاص لديهم «رعونة مفرطة» قد تدفعهم لطرح المتر بنصف سعر تكلفته لإحراج المنافسين؟
هل تعتقد أن أفكارك وخططك البيعية التي تصلح لـ«التجمع وزايد» يمكن أن تكون طوق نجاة لك وسبباً في نجاح مشروعك الأول بالعاصمة؟
هل أنت مستعد لتقلبات السوق وتذبذب أسعار مواد البناء في ظل قواعد صارمة ومواعيد تنفيذ لا تقبل التأجيل ؟
عشرات الأسئلة يجب التفكير في إجابات لها قبل الشروع في الاستثمار هناك .. ليس الهدف من كلامي تخويفك بقدر الخوف من سقوط صغار المستثمرين في مشكلات تنهي حياتهم العملية في مجال التطوير العقاري مبكراً.
بعض الشركات جرفها تيار الدوان تاون وسقطت في الاختبار الأول، بعد أن ظنت أن لافتات الطرق وجلب الفنانين والمطربين هما مفتاح النجاح والبيع لأي مشروع.. هذا الخطأ الفادح متوقع له التكرار خلال الفترة القادمة لكن وقعة الشاطر في «الداون تاون» بألف في غيرها من المدن، وهو أمر يجب الانتباه له جيداً قبل أن نبدأ البحث عن شريك بحصة عينية من المشروع، أو بيع المشروع بأكلمه.
الأخطاء الفنية وقلة الخبرة ظهرت أيضاً في اختيار تصميمات بالغة الصعوبة ويتعذر تنفيذها .. مجرد صور جميلة لمنشآت في دول غربية نعيد تسويقها هنا دون أن ندري بكم وكيف سننفذ هذه التصميمات!!
نتمنى للجميع التوفيق.. لكن الأمر ليس ببساطة حجز قطعة أرض والتقاط صور فيها ونشر كلمتين على وسائل التواصل الاجتماعي وإطلاق حملة «أوت دور» للترويج للمشروع، ثم نبدأ في تحصيل المقدمات.. هذا للأسف تصور ساذج يصلح لعهد الثمانينات، فمشروع العاصمة جديد على مصر كلياً، وبالتالي يجب النظر إليه والتفكير فيه والتسويق لمشروعاته بطرق مختلفة حتى لا نكون أمام مأساة جماعية.
ما يحزن في الأمر، أن الشركات الراغبة في الاستثمار بالدوان تاون أغلبها وقع في براثن هواة استقدموهم للعمل في شركاتهم وهم لا خبرة لهم لا في التطوير العقاري ولا في غيره، وبعضهم لم يسبق له بيع وحدة سكنية، فكيف استقدمناه هؤلاء وغيرهم لبيع «تاور» ليس له مثيل في الكرة الأرضية؟
الخلاصة أن الاستثمار يجب أن يكون مدروساً ومخاطر السوق يجب أن توضع في الحسبان، وقدرات المنافسين ثم قدرات الشركة مالياً وفنياً لا يجب اغفالهما .. يعقب ذلك الاستعانة بموظفين لديهم خبرة حقيقية على أرض الواقع وليس السوشيال ميديا حتى نعبر تجربة الداون تاون بسلام ولا نسقط فيها.