محمود الجندي
نظرة على القوانين .. متى تنتهي تبعية المدن الجديدة لهيئة المجتمعات العمرانية؟
تشابكات وتخبط .. والقانون والمنطق يبحثان عن منقذ
وزير الإسكان يصدر قراراً بتعيين رئيس جهاز لـ«خليج السويس» في 2021 رغم إلغاء تبعية المدينة له بقرار جمهوري في 2016
الوزارة تقاعست عن تطبيق القانون 59 لسنة 1979 بنقل تبعية المدن التي تم تنميتها بالكامل للإدارة المحلية
الهيئة ضمت «جزيرة الوراق » ضمن هيكل أجهزة المدن التابعة لها رغم تكليفها بإعادة تطويرها فقط وليس إدارتها
لا صوت يعلو فوق صوت التخبط والعشوائية في إصدار القرارات بوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة، وهو تخبط يكشف عن عدم احترام للقانون أو القرارات الجمهورية المختلفة والتي تنظم عمل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وبلغ الأمر مداه بأن بعض القرارات باتت أقرب للمجاملة وكان أخرها تعيين المهندسة أسماء مخلوف رئيساً لجهاز خليج السويس رغم الغاء تبعية منطقة خليج السويس لوزارة الإسكان بقرار جمهوري يحمل رقم (460) لسنة 2016 والذى نص فى المادة الثانية منه على إلغاء القرار الجمهوري رقم (458) لسنة 1993 بأعتبار منطقة شمال خليج السويس من مناطق إقامة المجتمعات العمرانية الجديدة، على أن تعود الأراضى إلى أصلها كأملاك دولة خاصة.
تجاهل تطبيق القانون طال أيضاً القانون 59 لسنة 1979 والخاص بانشاء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، بتسليم المدن التي تم تنميتها للمحليات.. ولكي تدرك حجم الكارثة علينا النظر في القوانين والقرارات الخاصة بانشاء الهيئة وطريقة عملها وما استجد من قرارات تنظم نطاق اختصاصها.
فقد جاء قانون إنشاء هيئة المجتمعات بتعريفاً خاصاً للمجتمعات العمرانية الجديدة على أنها "يقصد بالمجتمعات العمرانية الجديدة، كل تجمع بشرى متكامل يستهدف خلق مراكز حضارية جديدة، تحقق الإستقرار الإجتماعى والرخاء الإقتصادى (الصناعى والزراعى والتجارى وغير ذلك من الأغراض) بقصد إعادة توزيع السكان عن طريق إعداد مناطق جذب مستحدثة خارج نطاق المدن والقرى القائمة أو مناطق إعادة التخطيط فى المدن والقرى القائمة "بناء على ما نصت عليه المادة (1) من قانون (59) لسنة 1979 والمعدلة بالمادة (1) من قانون (1) لسنة 2018".
ويعد تعريف المشرع المصرى للمجتمعات الجديدة هو ما عبر عن قصده صراحة بأهدافه الأساسية لإنشاء مجتمعات جديدة لعل من أبرزها إعادة توزيع السكان، واستغلال الصحراء والسعى قدما وراء الرخاء الأقتصادى بكافة مجالاته.
فمنذ تاريخ إنشاء الهيئة عام 1979 وحتى نهاية عام 2017، كانت تعمل الهيئة على إنشاء مدن فى صحراء مصر لإعادة توزيع السكان على الخريطة المصرية، كما يجوز للسلطة المحلية المختصة أن تستعين بالهيئة طبقا لما يتم الإتفاق عليه بينهما لإنشاء أحياء جديدة كلية أو إزالة أحياء قائمة لإعادة تخطيطها وتعميرها «تطوير العشوائيات وما شابه ذلك» وفى هذه الحالة تسرى أحكام التشريعات المنظمة لإنشاء وإزالة الأحياء وذلك وفقاً لما نصت على المادة (4) من قانون (59) لسنة 1979، أى تستمر جهة الولاية للمحليات ويقتصر دور الهيئة فى المعاونة على إعادة التخطيط والتعمير فقط.
وفى يناير من عام 2018، وبصدور قانون (1) لسنة 2018، تمت إضافة فقرة للمادة الأولى من قانون إنشاء الهيئة، على أنه يجوز بموافقة مجلس الوزراء، بناء على عرض وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية الجديدة والسلطة المختصة بجهة الولاية، إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة فى مناطق إعادة التخطيط فى المدن والقرى القائمة، فهنا تم مد أختصاص الهيئة لإعادة تعمير المناطق القائمة بالفعل وذلك بموافقة مجلس الوزراء.
أى أصبحت هيئة المجتمعات بعد عام 2018 ليست فقط جهاز الدولة المختص بتعمير الصحراء بالمجتمعات الجديدة، ومعاونة الإدارة المحلية فى إعادة التخطيط والتعمير، بل أصبحت مختصة بإقامة مجتمعات جديدة تخضع لقانون الهيئة ونظامها الإدارى، بإعادة تعمير المناطق المعاد تخطيطها لتعمل على محاربة العشوائيات ودعم المجتمعات القائمة بما لديها من خبرات فى إنشاء مجتمعات جديدة.
والسؤال الذى يطرح نفسه: متى تنتهى تبعية المدن الجديدة لهيئة المجتمعات لتعود لأصل الأختصاص إلى الإدارة المحلية؟ وتتفرغ الهيئة إلى إنشاء وبناء مجتمعات عمرانية جديدة كجهة أختصاص فنى فى هذا المجال الذي خلقت من أجله! ولكي تعود إلأى دورها يتم ذلك بناء إما على قانون إنشاء الهيئة أو بناء على قرار إدارى:
أولاً : إنتهاء التبعية بناء على قانون إنشاء الهيئة :
ورد نصاً فى المادة رقم (50) من قانون 59 لسنة 1979 إنه: " فى حال إنتهاء الهيئة من أكتمال التنمية الشاملة فى المجتمع العمراني الجديد تقوم بتسليمه إلى الحكم المحلى، ويكون للهيئة وللأجهزة وللوحدات التى تنشئها فى سبيل مباشرة اختصاصها المنصوص عليه فى هذا القانون جميع السلطات والصلاحيات المقررة قانونا بالوحدات المحلية كما يكون للهيئة الموارد المالية المقررة للمحليات. (مادة رقم (13) من قانون 59 لسنة 1979)".
وفى حالة تسليم المجتمع العمرانى الجديد إلى الوحدة المحلية المختصة وفقا لأحكام القانون ينقل إلى هذه الوحدة العاملون بجهاز التنمية المختص الذين تتطلب حاجة العمل إلحاقهم بالحكم المحلى. وذلك بفئاتهم وأوضاعهم الوظيفية ويحتفظون بما كانوا يتقاضون من مرتبات وبدلات ومتوسط ما كانوا يحصلون عليه من حوافز ومكافآت وأية مزايا مادية أو عينية طوال فترة عملهم بأجهزة المدن الجديدة وذلك بصفة شخصية، مع مراعاة عدم الجمع بين هذه المزايا وما قد يكون مقررا من مزايا مماثلة فى الجهة المنقول إليها العامل.
وفى هذه الحالة يصرف للعامل أيهما أكبر، وتستهلك قيمة الزيادة من أية علاوات أو أية زيادات فى المرتب أو الأجر الأساسى للعامل. على أنه يجوز للهيئة أن تحتفظ بكل أو بعض العاملين بجهاز التنمية وذلك للإستفادة بهم فى تنمية مجتمع عمرانى جديد آخر ( مادة رقم (45) من قانون 59 لسنة 1979).
وهنا يتضح أن المشرع هدف إلى تخفيف العبء الإدارى عن كاهل الهيئة وعودة الأختصاص الولائى للمجتمعات الجديدة المنتهى بناءها للإدارة المحلية لتظل الهيئة هى جهاز الدولة الخاص بإنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة.
لكن حتى تاريخه لم يتم تسليم أى من أجهزة المدن للإدارة المحلية، حيث استمرت الهيئة فى إدارة تلك المدن التى تم الإنتهاء من تنفيذها، ويمكن النظر إلى حالات ماثلة تتمثل في مدن (السادس من أكتوبر(الأم)، النوبارية، الصالحية، والقرى السياحية، وبرج العرب، ومدينة 15 مايو).
ثانياً : إنتهاء تبعية المدن للهيئة بناء على قرار إدارى :
أعدت وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بالتعاون مع هيئة التعاون الدولى (جايكا) فى يوليو 1986 المخطط العام لتنمية شمال خليج السويس، ثم صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (458) لسنة 1993 بأعتبار منطقة شمال خليج السويس من مناطق إقامة المجتمعات العمرانية الجديدة.
وقد صدر القرار الوزارى رقم (410) لسنة 2004 بإنشاء جهاز تنمية مدينة خليج السويس، إلى أن صدر القرار الجمهوري رقم (460) لسنة 2016 والذى نص فى المادة الثانية على إلغاء القرار الجمهوري رقم (458) لسنة 1993 ، على أن تعود الأراضى إلى أصلها كأملاك دولة خاصة.
كما جاء بنص المادة الثانية أنه "لا يخل إلغاء القرارين المشار إليهما فى المادة الأولى بأى من المراكز القانونية القائمة منذ وقت صدورهما وحتى تاريخه". أى أنتهاء التبعية الإدارية لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، مع الوضع فى الاعتبار التفسير القانونى والإدارى لعدم الإخلال بالمراكز القانونية منذ صدور قرار التبعية حتى تاريخ هذا القرار.
إلا أنه وبالمخالفة للقرار الجمهوري، فقد أصدرت وزارة الإسكان قرارات وزارية بتكليف رئيس جهاز العاشر بالإشراف على جهاز تنمية مدينة شمال خليج السويس، أى أكتساب مركز قانونى جديد لرئيس جهاز العاشر بالإشراف على جهاز خليج السويس، إلى أن صدر قرار وزير الإسكان رقم (276) لسنة 2021، بتكليف رئيس جهاز للمدينة، ويعد هذا أكتساب مركز قانونى جديد للمكلف برئاسة الجهاز، أي أن الوزارة أصدرت في عام 2021 قراراً بتعيين رئيس جهاز لمدينة تم الغاء تبعيتها لوزارة الإسكان بقرار جمهوري في 2016 .
وهنا يأتي التساؤل عن ماهية تبعية جهاز المدينة لهيئة المجتمعات العمرانية، فهل يعد إنشاء جهاز المدينة وإدارته من خلال هيئة المجتمعات هو بمثابة مركز قانونى تم بناء على القرار الملغى لإنشاء المدينة وتبعيتها للهيئة، وإن صح هذا الفرض فبذلك لم يلغى القرار الجمهوري رقم(458) لسنة 1993، ولايزال تبعية الجهاز لهيئة المجتمعات، والدليل على ذلك أن مجلس إدارة الهيئة هى السلطة المختصة ممثلة فى رئيس مجلس الإدارة هى المختصة بإدارة شئون الجهاز حتى تاريخه بل وأصدرت قرارات بتكليف موظفيها بالاشراف على المدينة وتولي رئاسة جهازها؟!
خلاصة ما سبق :
أنه عند أكتمال المجتمع العمرانى الجديد ينقل تبعيته للإدارة المحلية، كأحد المدن التابعة لولاية المحافظات والتقسيمات الإدارية بالدولة، ويخرج من ولاية هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، ويمكن نقل كل أو بعض العمالة للإدارة المحلية.
وما قد جاء به التعديل فى قانون رقم (59) لسنة 1979، المعدل بقانون (1) لسنة 2018 انه أتاح الفرصة للهيئة بموافقة رئيس مجلس الوزراء على إنشاء مجتمعات جديدة فى المناطق المعاد تخطيطها فى المدن والقرى القائمة، فبعد الأكتمال والإنتهاء يفترض نقل تبعيتها للمحليات مرة أخرى، فكان لنص المادة الرابعة من قانون 59 لسنة 1979، بقيام الهيئة بمعاونة السلطة المحلية، مع سريان أحكام التشريعات المنظمة لإنشاء وإزالة الأحياء، فعالية وضمانه لعودة الأختصاص لأهله من المحليات، وخاصة بعد أكتمال البناء والتعمير.
ونرى أنه حتى الأن لم يتم تطبيق هذا النص، وأيضاً ما جاء بقرار رئيس الجمهورية بإلغاء تبعية جهاز تنمية مدينة شمال خليج السويس لهيئة المجتمعات، والعودة إلى ما قبل صدور قرار التبعية، مع عدم الإخلال بالمراكز القانونية.
لذا نجد أن هناك ضرورة لفض هذا الاشتباك والتضارب القانوني والنظر فى مدى جدوى تفعيل إنهاء تبعية المجتمعات العمرانية من هيئة المجتمعات المختصة بإنشاء المدن للجهة المختصة بالإدارة المحلية فى الدولة. عملاً على استمرار أختصاص الهيئة فى إنشاء المجتمعات العمرانية الجديدة وليس إدارة المجتمعات العمرانية المكتملة البناء.
أيضاً التوجه الجديد للدولة خاصة بعد صدور قانون (1) لسنة 2018، بمنح الإختصاص للهيئة فى إعادة تعمير المناطق المعاد تخطيطها أى نقل تبعية تلك المجتمعات من المحليات إلى إدارة هيئة المجتمعات، يثير التساؤل حول موقف التبعية الإدارية بعد الأكتمال من مهمة الهيئة؟، فهل سيظل المجتمع المعاد تخطيطه يدار من خلال الهيئة أم سيتم تسليمه للإدارة المحلية، خاصة بعد التأكيد العملي على عدم تفعيل النص المرتبط بنقل التبعية للمحليات، وتجاهل قرار إلغاء التبعية كما فى حالة جهاز تنمية مدينة شمال خليج السويس؟.
الغريب في الأمر أن جهاز شمال خليج السويس، وجهاز جزيرة الوراق، لا يزالان يتبعان تنظيمياً هيكل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة كأجهزة مدن تابعة للهيئة!! فهل هناك من يستطيع فض هذا الاشتباك باحترام القانون وتطبيقه؟ نتمنى ذلك.