محمود الجندي
سيناريوهات ما بعد قرار الـ30% ومستقبل التطوير العقاري
لم تكد تمر بضع ساعات على تصريحات الرئيس السيسي بضرورة إلزام شركات التطوير العقاري بتنفيذ 30% من انشاءات أي مشروع قبل طرحه للبيع.. إلا وسادات حالة من الجدل حول القرار وما قد يكون لدى الحكومة من تفاصيل حوله، وهي حالة الجدل المتوقع استمرارها لفترة قادمة، فالموضوع شائك للغاية والعنوان العام لتنظيم السوق كان بمثابة صدمة كبرى للشركات الجاد والملتزم منها قبل غيرها، فرغم أهمية الخطوة وضرورة وقف مظاهر النصب العقاري إلا أن الأمور كانت تحتاج للمزيد من البحث والمناقشة.
عشرات التخمينات أطلقها البعض بأن الأمر لا يتجاوز كونه تنبيه للشركات وانذار بأن ما يحدث في السوق مرصود وتتابعه الدولة ولديها نية للتدخل في الوقت المناسب، فيما أخذته الشركات الملتزمة والمنضبطه على محمل الجد فهو تصريح رسمي من رأس الدولة، والذي عادة لا يتحدث في أمر إلا بعد نية جادة في تنفيذه، وكان في مقدمتهم غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات وشعبة الاستثمار العقاري بالغرفة التجارية وجمعية رجال الأعمال، حيث دعا النائب طارق شكري رئيس غرفة التطوير ووكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب لاجتماع عاجل لأعضائها لبحث تفاصيل القرار ومخاطبة الحكومة والبرلمان للمشاركة في وضع آليات تطبيقه وبما يحمي العميل والمطور في آن واحد.
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي عقب تلك التصريحات، ورحب عملاء الشركات العقارية خاصة من تعرضوا لوقائع نصب بهذا القرار. مؤكدين انه كفيل بضبط إيقاع السوق ومنع شركات النصب العقاري من دخوله..
وعلى وجاهة رأيهم إلا أن القرار لا يمكن تطبيقه على إطلاقه، فهناك ظروف للسوق يجب مراعاتها، ونمط تعمل به الشركات الحكومية قبل الخاصة يجب أيضاً عدم إغفاله فجميع المطورين في مصر يبيعون قبل تنفيذ الانشاءات، بل ونادراً ما تجد في السوق من ينفذ المشروع ثم يبدأ في تسويقه لعدة أعتبارات أولها إحجام البنوك عن تقديم أي تمويلات بنكية للمطورين إلا بضمان شيكات عملاء وفي حالة تطبيق القرار المذكور فمن أين تأتي الشركات بهذه الشيكات؟
«تغيير مفاجئ»
أيضاً تنفيذ 30% من انشاءات مشروع بما نراه اليوم من حجم المشاريع العمرانية هو أمر بالغ الصعوبة، ويستنزف قدرات الشركة المالية، وقد يدفع الشركة للبحث عن مساهمين جدد يتسبب دخولهم وبحثهم عن ربح في زيادة تكلفة المنتج النهائي الذي يتحمله العملية في نهاية المطاف.. وهو الأمر نفسه الذي قد يحدث في حال فتح باب التمويل البنكي للشركات، فهناك فوائد على هذا التمويل وبالتأكيد ستحمل الفوائد على العميل كمتلقي نهائي للسلعة.. فضلا عن ماهية الجهة المنوط بها تقييم النسبة البنائية حدود سلطتها ودورها؟
إذن الأمر يحتاج لنقاش جاد وحقيقي للوصول إلى صيغة مناسبة تتضمن تصنيف الشركات العاملة في السوق وقياس مدى ملاءتها المالية وقدرتها على تنفيذ المشروعات، وكذلك تقديم تمويلات بنكية بشروط ميسرة للمطورين الجادين، وقبل ذلك منح السوق فرصة لاستيعاب التغييرات الجديدة في عملية التطوير العقاري، فلا يمكن تغيير نمط سائد منذ 50 عاماً على الأقل في لحظة..
لا يعترض أحد على وضع ضوابط لحماية المواطن بل هي ضوابط تحمي الشركات نفسها.. ولكن التدرج والمناقشة والبحث عن بدائل وتخفيض النسبة التنفيذية المطلوبة، أو تقسيمها على مراحل المشروع وغيرها من الأفكار كفيلة بالوصول لنتائج إيجابية دون إلحاق الضرر بأي من أطراف العملية.. كما أن هناك قطاعات وصناعات عديدة مرتبطة بصناعة التطوير وستتأثر بأي تغييرات فيه، وعلى رأسها شركات التسويق العقاري والتي يتلخص عملها في الترويج للمشروع وجلب العميل، وفي حال تم تطبيق هذا القرار كما هو فهناك أكثر من 3000 شركة تسويق مهددة بإغلاق أبوابها وتشريد ملايين العاملين فيها وهذا مالا يمكن قبوله في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
«توقف كامل»
تطبيق القرار دون تفاصيل وقرارات شارحه له هو بمثابة توقف كامل لكافة المشروعات العقارية بداية من العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وصولاً لأصغر مطور، وبالتالي الأمر ليس بالسهولة التي يراها البعض بأن القرار جيد فهناك جوانب أخرى خافية يعرفها من مارس مهنة التطوير العقاري في مصر، فتحقيق النسبة البنائية مع استخراج القرار الوزاري أو التراخيص قد يستغرق من عامين إلى ثلاثة أعوام .. فهل يتحمل المطور الانتظار لهذه الفترة حتى يفتح باب الحجز بالمشروع؟ وهل تتحمل شركات التسويق أن تجلس بدون عمل لحين تحقيق الشرط المطلوب؟ وهل يتحمل العميل الذي يبحث عن وحدة الانتظار لعامين أو ثلاثة حتى يبدأ رحلة البحث عن وحدة مناسبة؟
أسئلة كثيرة .. والإجابة عليها تحتاج لدراسة وبحث عن حلول وضوابط مرنة تمكن السوق من العمل بشكل طبيعي ولا تفقده زخمه الموجود حالياً وحالة الإقبال التي يشهدها الآن .. ويجب أن لا ننسى أن القطاع العقاري يمثل نسبة كبيرة من الناتج القومي تصل إلى 25% وهو ما يعني أن هذا القطاع الحساس جدا يجب التعامل معه وفيه بالحرص اللازم قبل تطبيق أي قرار.
«نتائج متوقعة»
ودعونا نذهب بعيداً حيث نتائج تطبيق القرار كما هو وفقاً لرؤية خبراء السوق، ويأتي في مقدمة النتائج انسحاب عدد كبير من الشركات حديثة العهد في السوق، والشركات الصغيرة ذات الملاءة المالية الضعيفة والتي تعتمد بشكل أساسي على التدفقات النقدية المقدمة من العملاء لبدء التنفيذ بل ولدفع رواتب العاملين فيها والأقساط المستحقة على أرض المشروع والتسويق وخلافه، وهو نموذج يمثله عدد كبير جدا من الشركات التي دخلت السوق خلال السنوات الأربع الأخيرة، وجميعهم مرشحون للخروج بقوة من السوق اذا ما تم تطبيق القرار، مع ما قد يترتب على ذلك من تسريح مئات العاملين في تلك الشركات.
النتيجة الثانية المتوقع حدوثها، قيام شركات التطوير بالاندماج مع بعضها البعض على شكل تحالفات وهو خطوة لا يرحب بها الكثير من أصحاب الأعمال نظراً لثقافة الشراكة في مصر والتي تنتهي في ساحات المحاكم في الغالب، أو بالتصفية بعد أن تهب رياح الخلافات والتحكمات والسيطرة على مقاليد داخل الشركة.
بيع الشركات، هو نتيجة مباشرة لفشل السيناريوهات السابقة ومحاولة تقليل الخسائر، بأن تباع الشركة لأخرى أكبر منها، ما يعني احتكار العديد من المشروعات في يد قلة من الشركات الكبرى ذات القدرة المالية والفنية على التنفيذ، والسيناريوهات السابقة على تنوعها ستكون بمثابة إعادة هيكلة لشكل السوق وحجم الشركات العاملة فيه، وسبب مباشر في رفع أسعار العقارات نظراً لقلة الشركات العاملة في السوق، فضلا عن قيام المطور بإعادة هيكلة خطة المشروع وفقاً للضوابط الجديدة.
مرة أخرى لا أحد يختلف على حالة العشوائية التي تعيشها مصر في المجال العقاري في ظل عدم وجود قوانين تحمي العملاء وأموالهم من الوقوع فريسة لشركات النصب العقاري، لكن هذا التنظيم المرجو يجب أن يتم من خلال جلسات مستفيضة تصل بنا إلى أفضل الضوابط .. بعيداً عن الصراخ والتشنجات والانحيازات العمياء لرأي بعينه دون وعي من فئة تطلق على نفسها مطورين أو خبراء عقاريين ممن سارعوا في إصدار بيانات ترحيب وفقط، رغم أن وجود هؤلاء في سوق التطوير العقاري هو أكبر نقمة شهدتها مصر.
وفي النهاية أتوقع إرجاء القرار لفترة معينة لمزيد من الدراسة، أو شموله على استثناء مناطق ومشروعات معينة من التطبيق أو على العكس بأن يطبق القرار على مشروعات ومناطق بعينها، وبشكل يحافظ على حركة السوق وثقة المستثمرين فيه.