محمود الجندي
الصحافة الحقيقية.. وإعلام الفئران
خلال الأيام القليلة الماضية ألقت "إسكان مصر" حجرا في المياه الراكدة، وكانت سبباً مباشرا في نقاش جاد وحقيقي حول ظاهرة مبادرات البناء بسعر التكلفة، بل واقتحمت للمرة الأولى واحدة من أخطر الأزمات التي يشهدها السوق العقارية متمثلة في شركة "بيتك بإيدك" وموقف صاحبها محمود عبد الشافي.
حققت الجريدة سبقاً صحفياً راعت فيه كافة الأصول والقواعد المهنية، ونجحت في توثيق الأزمة على لسان صاحبها، بل وتحديد حجم الأموال التي جمعتها شركته وهي الغير مثبته رسمياً إلا بصوته، ومشروعاتها والدور الإيجابي والسلبي لكل من أحاطوا بصاحب المبادرة .. وكيف انتهى الحال بها إلى أن تكون حديث الشارع المصري، بل وموقف تفصيلي للمشروعات التي التهمت أموال الناس.
وبقدر ما سعدنا بحجم التقدير والحفاوة التي تلقيناها من قراء ومطورين بارزين بل ومسؤولين في مؤسسات إعلامية ضخمة لما قدمناه من حوار صحفي جاد ومتوازن يعرض الاتهامات ويحصل على إجابات يتحمل عبد الشافي مسؤوليتها، إلا أننا حزنا لوجود بعض الفئران المتسللة لسوق الإعلام في مصر، والتي تظن نفسها بمجرد شراء بعض ساعات الهواء من جيوب المعلنين في قناة هنا أو هناك أنهم إعلاميين فعلاً!.. لا يعرفون أنهم سماسرة أزمات وأن دور الصحافة والإعلام الجاد والحقيقي هم أبعد ما يكونوا عنه.. ولن يكونوا منه في يوم من الأيام.
فئران الحقل الإعلامي هالهم الحوار الحصري للجريدة، وفكروا فيه بمنطق "السبوبة" التي أعمت أعينهم وجعلتهم لا يعرفون الفارق ما بين الحوار الصحفي المتوازن والصحافة الجادة، والحوار المدفوع الذي اعتادوا عليه في برامجهم المؤجرة التي ترفع من شأن من "يدفع" وتحط من قدر من لا يستجيب.
هذه الفئران وجودها على الساحة كان هو التشويه الأكبر والانتقاص الحقيقي من قيمة الإعلام ومعهم مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أفقدت المهنة بريقها وصدقها وقوتها، بل ظن بعضهم أن التلاسن على من هم أشرف منه قد يجعلهم في دائرة الضوء مرة أخرى، لكن الحقيقة إنه جعلهم تحت طائلة القانون بتهم السب والقذف والتشهير.
الحقيقة أن جزء من إيماننا العميق بمهنة الصحافة وأهميتها يدفعنا دفعاً نحو تقديم المزيد من الموضوعات الجادة والصحافة الحقيقية التي تلامس قضايا المواطن في مجال الإسكان والعقارات وتحرج الفئران، فهي بمثابة خطوات بسيطة وصادقة لترميم صورة الصحافة ودورها واستعادة لاحترام مفقود بين القارئ وصحيفته، فمادامت الجريدة مهتمة ومهمومة بحال القارئ سيكون هو الأخر قريبا منها ومشجعا وداعما لها.
وبقدر ما كانت الحفاوة والثناء على الحوار كبيراً، بقدر ما كان انتشار غلاف العدد على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أكبر مما توقعناه أو تخيلناه، نعلم أننا كنا بصدد تناول قضية جماهيرية بالدرجة الأولى شكلت ظاهرة إيجابية في بدايتها ثم انقلبت إلى النقيض، لكننا لم نكن نعلم اهتمام عشرات الآلاف من المواطنين بها، انعكس ذلك على نفاد نسخة الجريدة من الأسواق في أول يومين من الصدور، فضلا عن آلاف المشاركات لصفحات الجريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها المشاركة الكبيرة للتسجيل الصوتي للحوار مع "عبد الشافي" والذي اختفي عن الأنظار منذ فترة طويلة..وكانت "إسكان مصر" أول من يلتقيه بل وأول من يجري حوار صحفي معه منذ ظهوره على الساحة قبل 8 أعوام، وهذا هو دور الصحافة أن تقدم الجديد دائماً.
شكرنا موصول للقراء الأعزاء وكل من يتابعنا ويثق في مهنيتنا ويقدر جهدنا الصحفي، ومن أجله نعده بمزيد من الصحافة الحقيقية المخلصة له ولمهنتنا العظيمة.. وهنا لا عزاء للمأجورين.