محمود الجندي
«مرجيحة» التطوير العقاري
رغم موجات الغلاء التي تجتاح العالم على كافة المستويات إلا أن الأسعار في مصر لها وضع خاص، فهي تتجاوز النسب العالمية بمراحل وكأنها تختبر قوة صبر وإيمان المواطن المصري الذي لم يعد يعرف سبيلاً لمواجهة هذا الكرب إلا الدعاء بأن يرفع الله عنه الغمة..
أزمات متتابعة حلت على رأس المواطن المصري خلال السنوات الماضية لكنها أكتملت بالحرب الروسية على أوكرانيا ولا يزال ينتظر نفس المواطن تطورات أخرى قد يشهدها السوق لن تكون أيضاً في صفه.
أما على مستوى ومستقبل مهنة التطوير العقاري فهذا ما يمكن وصفه بـ«الحظ الدكر»، فمنذ عام 2016 وعقب قرار خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار، وقطاع التطوير العقاري في مصر «ركب المرجيحة» زيادات سعرية مرعبة وقرارات تنظيمية للسوق تزيد من ربكته أكثر مما تساعد على انضباطه .. مشهد ضبابي والتوقع فيه أشبه بضرب الودع.
التعويم كان ضربة البداية في إرباك سوق التطوير العقاري وتسبب في غرق شركات كثيرة في أزمات مالية طاحنة لم يستطع بعضها الخروج منها حتى الآن، بعد أن تضاعفت تكلفة تنفيذ المشروعات التي بيعت وحداتها بأسعار ما قبل التعويم.. وعندما بدأ السوق يلتقط أنفاسه والشركات تضع قدمها على أرض صلبة نسبياً ومناخ مستقر نوعاً ما، جاءت أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد لتأخذ شركات التطوير إلى أفاق جديدة من الأزمات، ركود وذعر وقلق بين العملاء وتوقف انشاءات وتعديل جداول التسليم والبحث عن سيولة هذا فقط هو جانب من شكل الأزمة التي واجهها المطورون خلال عامين وتحديداً منذ نهاية 2019 ولا تزال تبعاتها مستمرة حتى وقتنا هذا.
ثم كان المطورون على موعد جديد من الركود التضخمي القادم من الخارج لترتفع الأسعار مرة أخرى وفي حين كانت تستعد شركات التطوير المصرية لمواجهة المرحلة التضخمية الصعبة، خطفتهم نيران الحرب الروسية على أوكرانيا وما يشهده العالم الآن من عقوبات على النظام الروسي ثم رد روسي عقابي لأوروبا وأمريكا وفي هذه الأثناء اشتعلت أسعار مواد البناء في مصر وسجلت أرقاماً خزعبلية حيث لامس طن الحديد سقف الـ20 ألف جنيه أما الأسمنت فكسر حاجز الـ1700 و1800 جنيه بزيادات تتجاوز 100% في سلع الأسمنت التي من المفترض أنها صناعة محلية.
العجيب إنه رغم كل هذه الأسعار الجنونية فالمنتجات غير متوافرة في السوق حسبما علمت بعدما انتصرت غريزة الاحتكار وطفت على السطح أملاً من بعض التجار في تحقيق مزيد من المكاسب على طريقة أغنياء الحروب أو الأزمات، وخلال كل هذا تقف الحكومة عاجزة عن حماية السوق من هذا الغلاء الغير مبرر، ناهيك عما هو قادم من زيادة في أسعار البترول ثم حديث متداول عن تحريك جديد لسعر الجنيه في مقابل الدولار !!
الحقيقة الوضع بالغ السوء في ظل ضعف حكومي واضح في الرقابة على سوق مواد البناء تحديداً وهو ما دفع ويدفع الشركات لزيادة أسعار وحداتها لتعويض الفارق في مدخلات البناء، ناهيك عن صعوبة بناء توقعات أو وضع خطة تكلفة واضحة لتنفيذ المشروعات في ظل سوق متقلب وأسعاره تتحرك بشكل لحظي ولا تستقر سوى عدة ساعات، وهو الأمر الخطير حال طالت مدة التذبذب في أسعار مواد البناء..
أعلم أن الشركات الكبرى والمطورين المحترمين في السوق يضعون في حساباتهم احتمالات كثيرة للتقلبات السعرية خاصة بعد درس التعويم وكورونا، لكني أعتقد أن أي احتمالات وضعوها لم يكن أحد منهم يتوقع أن تكون بهذا الشكل!
أشفق على شركات التطوير الجادة من الظروف الصعبة التي تمر بها ويمر بها العميل أيضاً.. لكن في الوقت ذاته أطرح سؤالاً على نفسي ولا أجد له إجابة، في ظل هذه الأزمات الضخمة ماذا ستفعل الشركات التي قامت بحرق الأسعار خلال العامين الماضيين لتحقيق مبيعات؟ وتلك التي باعت المتر بأقل من سعر تكلفته منذ عامين وأكثر؟ هل في ظل هذا المناخ يمكن أن يسلموا طوبة للعميل أعتقد أن الأزمة ستكون أفدح خلال الفترة القادمة وسنشاهد بأعيننا ما كنا جميعاً نحذر منه..
نسأل الله السلامة للجميع