شركة مياه أسيوط تتحدى الحكومة والأجهزة الرقابية
"الرقابة الإدارية": فرع أسيوط أهدر 133 مليون جنيه بامتناعه عن تطبيق تعريفة المياه الجديدة.. وقام بجمع أموال من المواطنين بدون مبرر
الرقابة توصي باستبعاد المسؤولين عن ذلك ومحاسبتهم.. والشركة القابضة تلتزم الصمت
صرف مستخلصات للمقاولين عن أعمال لم تنفذ .. وآبار المياه غير مطابقة لمواصفات وزارة الصحة
أموال المعونة الأمريكية أهدرت من أجل عيون شركات المقاولات.. والجرد المفاجئ كشف الجريمة
إهدار المال العام في بدلات انتقال وهمية.. والتعاقد مع 4 مستشارين بالمخالفة للقانون
تلاعب بملايين الجنيهات في أوامر توريد الرمل والزلط.. ومعظم المناقصات نفذت بالمخالفة لكراسات الشروط
إسكان مصر – تحقيق يكتبه محمود الجندي
رغم نشرنا الحلقة الأولى من الفساد المستشري داخل شركة مياه الشرب والصرف الصحي بأسيوط والوادي الجديد برئاسة المهندس محمد صلاح الدين عبد الغفار، والتي رصدها تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، إلا أن المهندس ممدوح رسلان رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي لم يحرك ساكناً، تاركاً المجال مفتوحاً أمام عشرات الاتهامات التي تشير إلى علمه بما يجري داخل فرع الشركة بأسيوط، بل أن بعض الاتهامات ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك وهو ما ستلقى "إسكان مصر" الضوء عليه في الحلقات القادمة.
المستندات الرسمية التي تلقتها الجريدة عقب فتح الملف تكشف عن كوارث أخرى أكثر خطراً مما سبق نشره، بل أن بعض تقارير هيئة الرقابة الإدارية التي حصلنا عليها، طالبت بوضوح بإبعاد مسؤولي الشركة عن مواقعهم والتحقيق معهم في مخالفة قرارات الحكومة بشأن تطبيق تعريفة المياه الجديدة.
فعلى الرغم من تعليمات رئيس الجمهورية وتوصيات هيئة الرقابة الإدارية بسرعة ابعاد المسؤولين عن شركة مياه الشرب والصرف الصحي بأسيوط عن مواقعهم الوظيفية واتخاذ الاجراءات القانونية ضد المتورطين منهم في مخالفات ووقائع اهدار المال العام التي رصدها ضباط هيئة الرقابة الإدارية، ورغم توقيع وزير الإسكان والمرافق الدكتور مصطفي مدبولي على الخطاب الوارد من رئاسة الجمهورية في 27 أبريل 2017 وتوجيهه للمهندس ممدوح رسلان رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي لاتخاذ اللازم، إلا أن رسلان تعامل مع الخطاب الهام بما لا يتناسب في مثل هذه الحالات.
حيث يكشف تقرير هيئة الرقابة الإدارية امتناع شركة مياه الشرب بأسيوط والوادي الجديد عن تنفيذ تعليمات رئيس مجلس الوزراء بتعديل تعريفة محاسبة المواطنين على استهلاكات المياه والصرف والتي تهدف لإلغاء الدعم الخاص بالتشغيل والصيانة تدريجيا بهدف تخفيف العبء عن موازنة الدولة ما تسبب في إهدار المال العام بحوالي 133 مليون جنيه، وطالبت الهيئة بتحديد المسؤولين عن ذلك ومحاسبتهم بعد تقدير حجم الضرر الواقع على المال العام.
التقرير أشار إلى قيام عزبة مياه أسيوط – شركة المياه سابقاً- بعدم تطبيق التعريفة المعتمدة من مجلس الوزراء، وقيامها بمحاسبة المواطنين بمبالغ أخرى دون مبرر أو سند قانوني لذلك.
من ناحية أخرى، تضمن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات وقائع جديدة من إهدار المال العام والتلاعب بأموال الدولة داخل شركة مياه أسيوط، حيث أكد التقرير وجود فروق زمنية كبيرة بين تاريخ انتهاء الأعمال المنفذة وإعداد مستخلصات الصرف الخاصة بالمقاولين وتسليمها للإدارة المالية مما يؤدي إلى تفادي المقاول غرامات التأخير وعدم الرقابة على الأعمال المنفذة بالمستخلص، مع العلم بأن بعض المستخلصات غير مؤرخة من المهندس المشرف على العملية وبما يخالف نظم الضبط والرقابة الداخلية.
كما رصد التقرير عدم تقديم كراسة الحصر عند اعداد المستخلص الجاري ويتم تقديمها عند اعداد المستخلص الختامي فور انتهاء الأعمال المراد صرف قيمتها للمقاول، كما تم تضمين المستخلصات أعمال لم تنفذ على الطبيعة .
أيضاً ارتكبت الشركة مخالفات مالية وإدارية تسببت في تكبيد المال العام مبالغ بدون وجه حق نظير عدم اتباع التعليمات الواردة بكراسة الشروط، حيث تلاحظ تضمين مستخلص عملية إحلال وتجديد عدد 8 آبار بالحفار الميكانيكي نحو 27 ألف جنيه نظير التصوير الاشعاعي والكهرباء للآبار التي ثبت عدم صلاحيتها بالمخالفة لكراسة الشروط والمواصفات التي تلزم المقاول بإجراء التصوير الاشعاعي والتصوير بعد التأكد من صلاحية الآبار وتحويلها لآبار انتاجية، حيث أوصى التقرير بتحصيل الأموال من المتسبب في ذلك.
وأشار تقرير الجهاز إلى كارثة أخرى تتمثل في وجود العديد من الآبار الانتاجية التي تعمل بالشركة رغم عدم مطابقة العينات الكيميائية الواردة من قطاع المعامل بالشركة لقرار وزير الصحة رقم 458 لسنة 2007 بالإضافة إلى عدم إجراء تحليل بكترولوجي لمعظم الآبار الانتاجية بالمخالفة لكراسة الشروط والمواصفات.
مخالفات المهندسين
شركة المياه التي تحولت إلى عزبة خاصة ونهيبه لكل من هب ودب، لم يلتزم فيها المهندسون المشرفون على تنفيذ ودق الآبار بالتصميم المقترح الوارد ضمن تقرير التصوير الاشعاعي والكهربائي للآبار الانتاجية ومنها تنفيذ بئري قرية المنشأة الكبرى وقرية السراقنا والذي تحملت شركة المياه 30 ألف جنيه قيمة التقرير المقترح للتنفيذ ولم تلتزم به.
كما خالفت الشركة القانون بعدم الدقة الفنية في دق الآبار وفقاً لما ورد بكراسة الشروط، حيث اعدت كراسة شروط تنص على دق 6 آبار بالحفار الميكانيكي بتكلفة 432 جنيهاً للمتر في حين تم دق 3 آبار فقط بالقايسون اليدوي بتكلفة 308 جنيه للمتر بما يؤثر على اجراءات الطرح والترسية للعمليات.
الشركة التي برعت في إهدار المال العام، وافقت على خصم قيم الأعمال الغير منفذة عن طريق المقاولين بقيم أخرى تقل بكثير عن المعتمد من الشركة في كراسة الشروط، حيث خصمت قيمة عدم تركيب الطلمبات لعملية إحلال وتجديد 3 آبار بمشروع تنمية عدد 10 قرى بصعيد مصر بواقع 3 آلاف جنيه عن الطلمبة و5 آلاف جنيه عن نفس البند لمشروع إحلال وتجديد 8 آبار بالمناطق الساخنة على الرغم من تقدير قيمة الطلمبة والتركيب في كراسة الشروط بمبلغ 20 ألف جنيه ، ويتضح ذلك من تقدير الشركة قيمة توريد وتركيب لكافة أعمال الآبار بمبلغ 200 ألف جنيه، أي أنها قدرت سعر الطلمبة توريد فقط بمبلغ 180 ألف جنيه وتركيب بمبلغ 20 ألف جنيه رغم تشابه الطلمبات.
كما ارتكبت الشركة خطأ أخر تمثل في عدم تحديد احتياجاتها بكميات دقيقة ما أدى إلى إجراء مناقصات محدودة لكميات صغيرة ثم إصدار ملاحق لأمر التشغيل بباقي الكميات، ففي 30 أبريل 2015 أصدرت أمر توريد رمال بقيمة 817 ألف جنيه، ثم أصدرت ملحق لأمر التوريد رقم 37 في 13 سبتمبر 2015 بنحو 99 ألف جنيه، ثم أمر توريد أخر بمبلغ 580 ألف جنيه لتوريد زلط ورمل، وعقب ذلك أصدرت أمر توريد بمبلغ 444 ألف جنيه في 1 فبراير 2016 بالإضافة إلى عدم استخدام معظم الكميات الموردة من الزلط والرمل حتى تاريخ صدور التقرير، مما ينتفي معه الحاجة الماسة والعاجلة لطرح مناقصة محدودة وقبول عطاء وحيد، على الرغم من أن مناقصة الزلط تم طرحها أكثر من مرة لانخفاض السعر التقديري عن سعر المقاول "شركة الكتروميكا" والتي رفض التفاوض مع شركة مياه الشرب، الأمر الذي دفع بالشركة لالغاء المناقصة وإعادة الطرح بسعر يقارب نفس السعر المقدم من المقاول، وتم ترسيتها على نفس المقاول رغم انه مقيد في سجل المقاولات وليس التوريدات، كما لم ترسل له دعوة للاشتراك في المناقصة من الأساس، فضلاً عن عدم دقة الأسعار الواردة في المقايسة التقديرية.
بعض شركات المقاولات تفهمت مناخ الفساد في الشركة وقام بعضهم بتزويير بعض التوقيعات ومخاطبة البنوك لصرف مستحقاتهم عن العملية التى نفذتها الشركة بالمخالفة للمواصفات، ومنها قيام شركة مياه أسيوط بقبول شركة "المؤسسة العالمية" فنياً لمناقصة عامة لعملية إحلال وتجديد جزء من محطو قرية موط 1و2 وتبين قيام المقاول بتوريد محرك للعملية مصري الصنع بالمخالفة لكراسة الشروط التي نصت على أن يكون المحرك ياباني او أمريكي او غربي الصنع، وأن يقدم المقاول شهادة من الهيئة القومية تفيد بأن الطلمبات مصنعة من أنقى أنواع الزهر الرمادي ورئيس الطلمبات من الزهر المرن، وهو مالم يحدث.
كما تم توريد مشتركات ووصلات تركيب ولوحة كهربائية بمواصفات مخالفة لكراسة الشروط التي تقدم بها المقاول في عطائه الفني.
تقرير جهاز المحاسبات أشار إلى أن شركة المياه صرفت قرابة 3 ملايين جنيه لأحد المقاولين في عملية ممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وتبين بمراجعة المرحلة الأولى من العملية وجود عجز بالأطوال واختلاف في المواصفات وسوء المصنعيات، حيث اوصى التقرير بالجرد المفاجئ على المشروعات قيد التنفيذ.
واقعة فساد أخرى، كشفها عطل مفاجئ بمحطة رفع صرف صحي نزلة عبد اللاه بأسيوط، حيث تبين أن العطل يرجع لعيوب من المقاول المسؤول عن إحلال وتجديد المحطة وعدم صلاحية الطلمبة التي تم تركيبها وفقاً لما أكده مراقب المحطات، حيث تم تهريب الطلمبة واخراجها من المحطة بدون اذن رسمي بعد اكتشاف عدم تقديم شهادة اختبار للطلمبة وقيام المقاول بتغيير طرازها.
إهدار المال العام انتقل عدواه من المقاولين والشركة إلى الإدارات الداخلية بشركة مياه أسيوط، حيث تم اهدار نصف مليون جنيه من أموال الدولة بسبب عدم الربط بين إدارات الشركة، فقد قام قطاع المشروعات بتركيب وصلات منزلية للعملاء دون الرجوع للقطاع التجاري للتعاقد معهم وبلغ ما أمكن حصره 208 حالة، فيما لم يتم تحصيل مديونيات العملاء قيمة تلك الوصلات وعدم استخراج فواتير لبعضهم منذ تركيب الوصلات لهم.
عقود المستشارين
فظائع الشركة في حق القانون لا تنتهي، فقد كشف الجهاز المركزي للمحاسبات عن قيامها بتجديد عقود عدد من المستشارين المنتدبين للعام المالي 2015/ 2016 وعددهم 7 بالمخالفة للمادة 16 من لائحة العاملين بالشركة حيث تم اسناد أعمال تنفيذية لهم بالمخالفة لنص المادة، فضلا عن التعاقد مع عدة مستشارين منذ سنوات ولا يزال يجدد لهم.
حيث شمل تقرير الجهاز أسماء المستشارين " مكي عبد العليم – محمد عبد الرحمن – يوسف على مخلوف – حسام قرشي" بتواريخ تعاقد من 2011 ما ينفي عنهم صفة العمل المؤقت، وأن التعاقد مخالف كون المادة 16 تنص على امكانية التعاقد مع الخبراء ذوي الخبرات والتخصصات النادرة الغير متوافرة في الشركة وهو مالم يثبت في حق المتعاقد معهم.
كما خالفت الشركة المادة 46 من قانون قطاع الأعمال العام والتي تنص انه "يجوز عند الضرورة القصوى بقرار من رئيس مجلس الوزراء مد خدمة أي من العاملين شاغلي الوظائف القيادية أصحاب الخبرات النادرة بالشركة لمدة سنة قابلة للتجديد ولمدة أقصاها سنتان"، وقد خالفت الشركة ذلك بالتعاقد مع المستشار مكي عبد العليم تركي والمستشار عماد عزيز ويصا عبد الملاك وبالمخالفة لنصوص المواد السابقة، فضلا عن خروج مكي عبد العليم للمعاش ما يخالف قرار وزير قطاع الأعمال العام رقم 11 لسنة 2016 بحظر التعاقد مع المستشارين ممن بلغوا سن التقاعد إلا بعد عرض مذكرة وافية على الوزارة تتضمن الأسباب الماسة لهذا التعاقد.
السلف المستديمة والمؤقتة
يكشف التقرير الرقابي، عن انتهاج الشركة مسلك السلف لتوفير احتياجاتها، حيث تم رصد سلف مستديمة ومؤقتة بقيمة 1,5 مليون جنيه عن فترة الفحص، وعدم وجود رقابة داخلية على مصروفات السلف، وعدم توقيع إدارة المراجعة على مستندات الصرف وتسوية الملف بما لا يسمح باستعماله مرة أخرى، كما حدث في ترخيص 3 سيارات حيث تم تكرار الترخيص لذات السيارات باستمارات مختلفة، فضلا عن المخالفات الإدارية في هذا الشأن وأبرزها عدم استرداد قيمة السلف وفقاً للقانون، وعدم ضبط إدارة الحركة وتحمل الشركة قيمة مخالفات مرورية دون الوصول إلى سائق السيارة لعدم وجود أوامر شغل أو خطوط سير.
مخالفات الشؤون القانونية
كما رصد التقرير صرف سلف بغرض شراء دمغات باسم السيد/ محمد صلاح محمود بنحو 3500 جنيه على الرغم من شراء دمغات محامين في تلك الفترة ودون بيان بالقضايا التي استخدمت فيها هذه الدمغات، فضلا عن تحميل مصروفات التصوير وبدلات الانتقال على خزينة الشركة.
كذلك صرف بدل انتقال ومصروفات تصوير واكراميات بدون وجه حق في مناسبات وايام اجازات رسمية، منها ما صرف لكل من "محمد سيد عبد العال – أسامة بخيت – محمد سيد عبد النظير – أبو بكر ابراهيم علي – أيمن علي " بلغ ما أمكن حصره منها 104 ألف جنيه في الفترة من 1 يوليو 2015 حتى 29 فبراير 2016 ، وتبين صرف بدل للعاملين بالإدارة القانونية بأعلى من البدل المعتمد من مجلس إدارة الشركة، فضلا عن عدم وجود خطوط سير معتمدة لمعظم مستندات الصرف الخاصة ببدلات الانتقال، فيما تم صرف 12200 جنيه جهود للعاملين بالإدارة القانونية و14450 جنيها أجر إضافي بعلم وموافقة رئيس الشركة، بالإضافة إلى 11800 جنيه حافز تحصيل لهم رغم عدم حضور اعضاء الشؤون القانونية للجان الخاصة بذلك.