أين ذهبت مليارات تطوير «مرافق» القاهرة الجديدة؟
«الإسكان» تواجه أزمات المدينة بـ«الوعود الوردية»
رغم التطوير.. نرصد أبرز الأعطال في محطات المياه والصرف الصحى
ملايين الجنيهات أنفقت على «فنكوش» رفع الكفاءة.. والمستثمرون يصرخون من إهمال يهدد استثماراتهم
34 مليون جنيه لتطوير محطة جنوب الأكاديمية والنتيجة: «مياه المجارى» تغمر البيوت
جهاز المدينة «ضعيف» ورئيسه «مش قد الشيلة».. والقيادات خارج الخدمة
انتشار عربات الطعام والباعة الجائلين وتشويه المظهر الحضارى للمدينة أبرز الشكاوى
لمواجهة مشكلة ليس عليك سوى الاعتراف بها أولاً ثم تحديد أبعادها حتى يمكن وضع الحلول المناسبة لها وتحقيق النتائج المرجوة .. لكن أن تواجه المشكلة بالكذب والمراوغة وإطلاق الأعذار حتى وإن منحتك المراوغة بعض الوقت لكن الأزمة ستتفاقم في ظل غياب الرغبة والسعي الحقيقي لحلها..
هذا بالتحديد ما تعانية مدينة القاهرة الجديدة وسكانها في تعاملهم مع كافة المستويات المسؤولة عن المدينة داخل وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.. عشرات التصريحات تطلق لتهدئة غضب المواطنين وتكون نتيجتها هدوء مؤقت سرعان ما تذهب آثاره بوقوع حادثة أكبر لتستمر ماكينة «التصريحات الوردية» في العمل على أمل الحصول على هدنة أخرى.
أزمة تلو أخرى ولا حلول في الأفق والجميع يقفون موقف المتفرج محطات «طفحت» مجاريها في شوارع المدينة لتغرق عمارات وفيلات المواطنين، وأمطار تكشف هشاشة مرفق الصرف الصحي في المدينة بأكملها، ومليارات صرفت سدى لا أحد يعلم ما تحقق منها، ولا جهة تحقق واحدة قامت بدورها حيال هذه الكوارث وأحالتها ومرتكبيها إلى النيابة للقصاص منهم على ما يعانيه السكان في القاهرة الجديدة.
يومياً يعلن جهاز مدينة القاهرة الجديدة بعبارته الشهيرة «نعتذر عن العطل المفاجئ في ....» يمكن أن تخمن المنطقة لتضعها مكان النقاط، تحذيرات يومية بقطع المياه عن أحياء ومناطق واسعة من المدينة تارة لعطل في الروافع وتارة أخرى لعطل في المولدات، قم اعتذار عن انفجار ماسورة قطر 500 مم يليه اعتذار عن كسر بماسورة قطر 1000 مم، ثم عطل في محطة المعادي، تليه أعطال أخرى في روافع أبو عويقل و5 و3 ومسيرة من الأعطال لا تنتهي وجميعها مفاجئة في حين تستمر تصريحات قيادات وزارة الإسكان وجهاز المدينة في الحديث عن ضخ ملايين الجنيهات لإنهاء معاناة السكان ورفع كفاءة المحطات وصيانة الروافع والتي يتبين بالتجربة العملية أنها محض وعود وردية قد ترقى إلى درجة الأكاذيب.
مسلسل الكوارث
وحتى يكون القارئ في الصورة، نقدم لك سرداً لمسلسل الكوارث في مدينة القاهرة الجديدة وتحديداً في مرفق المياه والصرف الصحي فقط لنغض الطرف مؤقتا عن انتشار العشوائية والأكشاك وسوء جودة الطرق في المدينة والتي سيأتي الحديث عنها لاحقاً.. فقبل أيام قليلة وتحديداً في 3 سبتمبر 2021 كان سكان التجمع الأول على موعد مع فضيحة هي بمثابة شهادة وفاة مهنية للمسؤولين عنها حيث أغرقت مياه الصرف الصحي شوارع التجمع الأول وغطت سيارات المواطنين وغمرت العمارات والفيلات وأغلقت محاور وطرق رئيسية وكانت حديث مصر كلها وبالتحديد شارع طه حسين في منطقة جنوب الأكاديمية، حيث برر جهاز المدينة ما حدث بوقوع عطل جسيم في محطة صرف جنوب الأكاديمية ثم تصريحات أخرى تفيد بوجود كسر في الماسورة الرئيسية للصرف الصحي في المنطقة، قبل أن تتدارك الوزارة هذا التصريح بتصريح ثالث على لسان المهندس خالد عباس نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية والذي قدم فيه اعتذارًا لمواطني القاهرة الجديدة مرجعاً السبب لـ«سوء الحظ» حيث انفجر الجوان الخاص بالخط أثناء اختبار أعمال ازدواج خط الصرف الصحي ومحاولة ربطه على المحطة الرئيسية قائلاً: «لسوء الحظ، عندما بدأنا اختبار الخط فوجئنا بجوان ضرب، وهو ما تسبّب في المشكلة»، موضحًا أنهم حاولوا عدم قطع المياه عن المنطقة وإجراء أعمال الصيانة، إلا أن ذلك لم يتم بنجاح واضطروا لقطع المياه لعدة ساعات لتقليل الضغط على خطوط الصرف.
في اليوم نفسه وقبل الانتهاء من حل المشكلة التي استمرت لليوم التالي، خرج أمين غنيم رئيس جهاز القاهرة الجديدة ليدلي بتصريحات لـ«جريدة الوطن» قائلاً بملء فيه : « السبب عطل بمحطة صرف جنوب الأكاديمية .. وحلينا أزمة كل سنة» لكن التصريح لم تمر عليه سوى 40 يوماً حتى اتضح زيفه فقد أعلن الجهاز قطع المياه عن عدة مناطق في التجمع الأول بسبب عطل جديد بمحطة صرف جنوب الأكاديمية في 13 أكتوبر 2021 ما تسبب في حالة غضب بين المواطنين متهمين الجهاز بالتضليل. ويذكر أن محطة صرف جنوب الأكاديمية تعرضت لعطل سابق على تلك الكارثة في 11 أغسطس 2021 وتم بسببها قطع المياه عن عدة مناطق.
ملايين الجنيهات للتطوير والمحصلة صفر
بالبحث في ملف مياه الشرب والصرف الصحي بمدينة القاهرة الجديدة، تبين أن محطة صرف جنوب الأكاديمية لها نصيب الأسد من الأعطال الكارثية فهي تتعرض لأعطال ما بين مرة إلى اثنين شهرياً، ليس هذا فحسب بل كان لها أيضاً نصيب الأسد أيضاً من حجم الأنفاق المزعوم على أعمال تطوير محطات الصرف بالمدينة وتأهيلها للعمل بشكل أفضل.
ففي 27 يوليو 2018 أعلن المهندس عادل النجار رئيس جهاز القاهرة الجديدة في ذلك الوقت، عن تخصيص ملايين الجنيهات لرفع كفاءة محطات الصرف الصحي وروافعها ومن بينها محطة جنوب الأكاديمية التي تم تخصيص 34 مليون جنيه لإحلال وتجديد ورفع كفاءتها وهو مالم يحدث والدليل عليه الانفجارات المتتالية حتى أيام قليلة، وهو ما يطرح التساؤل حول مصير أموال التطوير!!
ملايين اخرى خصصت وأنفقت على رفع كفاءة مرفق المياه والصرف في القاهرة الجديدة وفقاً لتصريحات المسؤولين الرسمية في 2018 لكن الواقع يقول أن الوضع بات أكثر سوءا مما سبق، فعلى سبيل المثال تم تخصيص 18 مليون جنيه لمشروع محطة الصرف الصحى وخط الطرد الملحق بمنطقة امتداد غرب الجولف، و67 مليون جنيه للمرحلة الأولى من محطة رفع الصرف الصحى رقم "9"، وخط الطرد الخاص بها.
كذلك تخصيص 100 مليون جنيه لإحلال وتجديد ورفع كفاءة محطة الصرف الصحى بمركز المدينة، و 223 مليون جنيه لأعمال توسعات محطة الصرف الصحى جنوب المستثمرين، فضلا عن خط 600 مم القادم من محطة "7"، والذي تعرض لأعطال أخرها كان يوم 11 أكتوبر ونفذ قبل 3 أعوام بتكلفة 41.5 مليون جنيه.
6 مليارات جنيه
في 14 أغسطس 2021 قال الدكتور عاصم الجزار، وزير الاسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، إن إجمالى ما تم إنفاقه بالمدن الجديدة شرق القاهرة منذ عام 2014 وحتى الآن، 111 مليار جنيه، (62 مليار جنيه فى قطاع الإسكان، لتنفيذ 300 ألف وحدة سكنية – 6.5 مليار جنيه فى قطاع الخدمات، لإنشاء 618 مبنى خدمياً – 18.5 مليار جنيه فى قطاع الطرق – 24.3 مليار جنيه فى قطاع المرافق)، منها 97 مليار جنيه تم إنفاقها على المدن الجديدة (الأجيال السابقة – 6 مدن).
وأشار في بيان رسمي يرصد حصيلة ما تم انفاقه علي مشروعات مدن شرق القاهرة خلال 7 سنوات، إلى أن مدينة القاهرة الجديدة، بلغ إجمالى ما تم إنفاقه على مشروعات «رفع الكفاءة» منذ يوليو 2014 وحتي 2021، 28 مليار جنيه (14 مليار جنيه فى قطاع الإسكان، لتنفيذ 50.6 ألف وحدة سكنية – 500 مليون جنيه فى قطاع الخدمات لتنفيذ 23 مبنى خدمياً – 7.5 مليار جنيه فى قطاع الطرق منها 6 مليارات جنيه لرفع كفاءة قطاع المرافق "مياه وصرف"؟.
بالتواريخ .. الأزمات متكررة
لا يكف سكان القاهرة الجديدة عن الشكوى فالأزمات لديهم لا تأتي فرادى فهي تسقط على رؤوسهم أزمة تلو الأخرى، في حين فقد جهاز المدينة دوره ووجوده وأصبح أقرب إلى خيال مآته.. في هذه السطور نرصد حجم الانقطاعات المتكررة في خدمة مياه الشرب والمعلن عنها من خلال الصفحة الرسمية لجهاز القاهرة الجديدة، والتي نتج بعضها عن أعطال وأزمات في قطاع الصرف الصحي، لنعكس حجم معاناة السكان ممن يتعرضون لهذه الأزمات بشكل مباشر.
ففي يوم 10 سبتمبر من الشهر الجاري حدث عطل مفاجئ أدي إلي انقطاع المياه عن المناطق الأتية (الحي الأول - الحي الثاني - الحي الثالث - الحي الرابع - الحي الخامس - حي 3/4 - الدبلوماسيين - الشويفات - غرب الجولف - غرب ارابيلا - المحليات من 1 الي 8 ) وأدي ذلك إلي تذمر سكان المناطق التي تم قطع المياه عنها.
كما حدث في يوم 7 من سبتمبر الجاري عُطل كهربائي بمأخذ مياه الشرب الرئيسي بأنشاص، الأمر الذي أدي إلي إنخفاض ضغوط محطة مياه الشرب بمدينة العبور المغذية لمدينة القاهرة الجديدة وبالتالي تسبب في ضعف المياه وإنقطاعها في الأماكن المرتفعة بالقاهرة الجديدة وهي: (التجمع الأول بالكامل - إضافة إلي الرحاب 1 - التجمع الخامس من الحي الأول إلي الخامس - الدبلوماسيين - الجولف - ومنطقة غرب الجولف - جنوب الأكاديمية - حي الشويفات - القطاع الأول مركز المدينة - التجمع الثالث - منطقة إسكان الشباب - ارابيلا - منطقة غرب ارابيلا )
وتوالت وقائع قطع المياه يومي 2 ، 3 من سبتمبر لوجود أعطال بمحطة مياه الشرب في التجمع الأول والرحاب 1 ومنطقة جنوب الأكاديمية والقطاع الأول والثاني من مركز المدينة، كل هذه الأحداث في النصف الأول من شهر سبتمبر فقط.
في 27 أغسطس الماضي تم قطع المياه عن منطقة التجمع الأول بالكامل، كما حدثت نفس الأزمة في يوم 15 من الشهر نفسه ما أدي إلي قطع المياه عن مناطق القطامية وإسكان النقابات والمحليات من الأولي إلي العاشرة ومشروع سكن مصر بالمحليات ونزهة القاهرة الجديدة وغرب أرابيلا. كما حدثت أيضاً في يومي 11 ، 12 من الشهر نفسه في نفس المناطق بالأضافة إلي منطقة الرحاب 1 .
وفي اليوم العاشر من شهر أغسطس الماضي حدث عُطل في الكهرباء بروافع المياه لمدة ساعتين عن منطقة القطامية وإسكان النقابات بالكامل والمحليات الأولي حتي العاشرة ومنطقة غرب ارابيلا. ولم يكتفى بذلك بل تم قطع المياه والكهرباء في اليوم السابع والثامن من نفس الشهر في مناطق الإسكان الأجتماعي القديم والجديد وإسكان الجيزة والشركة العربية والمساكن الصعيدية بالقطامية.
وبالعودة إلى شهر يوليو لم تكن الأزمات خالية منه ايضاً، حيث تم قطع المياه يوم 28 من الشهر ذاته بسبب تعديل خط مياه متعارض مع مسار أحد خطوط الإنحدار في مناطق (الأمن العام - كمبوند المالية - الأربع محاورات - مركز خدمات التجمع الأول ).
وكذلك في أيم 3و8و9و11 أغسطس تكرر الأمر بصورة تدعو للدهشة من قبل سكان القاهرة الجديدة، فأصبحت الحياة اليومية هناك لا تخلو من قطع المياه والكهرباء، وعلي الرغم من كل هذا الإهمال وهذه الأزمات يقف جهاز تنمية مدينة القاهرة الجديدة مكتوف الأيدي لا يسعه سوي تقديم الأعتذارات الواحدة تلو الأخري عبر صفحته الخاصة به علي موقع التواصل الأجتماعي " فيس بوك "، عاجزاً عن تقديم حلول لهذه الأزمات، فيما حمل أهالي القاهرة الجديدة الجهاز مسئولية التقاعس وعدم تقديم حلول تعمل علي إنهاء هذه الأزمات بشكل يعيد لهم حياتهم الطبيعية.
مطالب مشروعة
لا يتوقف تواصل العديد من سكان مدينة القاهرة الجديدة مع منظومة شكاوى مجلس الوزراء، أملاً في نظرة للمدينة تعيد الأوضاع إلى سابق عهدها، مطالبين في الوقت ذاته بسرعة اختيار قيادة قوية تستطيع السيطرة على المدينة واتخاذ قرارات حاسمة لإنهاء أزمة المياه والصرف وقبلها مواجهة العشوائية التي ضربت المدينة خلال العامين الأخيرين، حيث انتشار الباعة الجائلين والسياس وعربات المشروبات والأغذية التي تعمل بدون تراخيص.
كذلك حالة التراجع الواضحة في مستوى الطرق وتأخر الانتهاء من أعمال التوسعة بل وتنفيذها بشكل يهدد سلامة المارة ومستخدمي الطرق في غيبة كاملة لأي تواجد لجهاز المدينة.
مستثمرون ورجال أعمال أكدوا أن ما تشهده المدينة من تراجع ينذر بكارثة فالطرق لا تصلح لسير السيارات كما أن التطوير الذي يتم بعشوائية خاصة في التجمع الأول لا يمكن أن ينتهي إلى ما يخدم السكان، مطالبين بسرعة التدخل لانقاذهم كسكان في المقام الأول ثم الحفاظ على استثماراتهم التي ضخوها في مشروعات داخل المدينة وأصبحت مهددة بسبب كثرة الأزمات وما عرف عن المدينة بالعشوائية والغياب المتكرر لأبرز ضرورات الحياه وهي المياه والصرف.